بنشاب: يشكل اسلوب تازيازت للتحايل على مصالح البلد أحد العقبات الأساسية في اعتبارها شريكا موثوقا بالنسبة للحكومة حيث أرفقت بطلب إذن الإنتاج لرخصة (موريس،إيمكبدن) دراسة جدوائية تفيد بضعف مردودية هذا المنجم وذلك من أجل أن تتنصل من شروط ومقتضيات العمل برخصة جديدة ،وقد حصلت من الوزارة على خطاب تصديق لتلك الدراسة دون أن تشعر الحكومة ولا الرئيس بذلك ! وبناء عليه وتفاديا للعمل بشروط رخصة جديدة أي إنشاء شركة مستقلة ،واكتتاب آلاف العمال وحشد رأس مال جديد وشراء معدات وإبرام وتسجيل عقود وغيرها ، قررت تازيازت أن تقوم بكل الأعمال المرتبطة بالإستخراج من خلال آليات ومصنع وعمال الشركة القديمة مع بعض الزيادات المتوقعة في العمال والمعدات وغير ذلك .ولم تشعر الحكومة ولا الرئيس حينها محمد ولد عبد العزيز بدخول الشركة مرحلة الإستخراج إلا عند طلبهم للهندسة العسكرية بإذن التفجير ،وهكذا عند مراجعة الملف لوحظ أن العملية تتضمن إضرارا كبيرة بمصلحة البلد وخسارة مزايا كبيرة مترتبة على هذه العملية . وطُلب منهم التوقف عن العمل ،لكن تازيازت احتفظت بالمستند الذي حصلت من خلاله بالموافقة من الوزارة وبعدم المردودية الكبيرة للرخصة،ولم تغير الدراسة واعتبرت أنها قامت بعمليات الإستخراج في الوقت الذي يحدده القانون وأن الدولة هي التي منعتها من ذلك وأنها توقفت امتثالا لأوامر الدولة لكنها تحتفظ برخصتها ،وحقها في الإستخراج ،بينما اعتبرت الحكومة أن الرخصة رجعت للدولة لأن تازيازت لم تقم بأعمال الإستخراج حسب المهلات الزمنية التي يحددها القانون ولم تقدم دراسة أو ملف استخراج جديد .والغريب أن نفس السيناريو الذي وقع ايمكبدن وقع مع رخصة التماي ،فمن ياترى في الدولة أو في الوزارة يتلاعب بمصالح البلد ؟!
عادت تازيازت لنفس محاولة التضليل للدولة مع رخصة (سبيزا) او التمايَ أو (تفرق زينه الاسم الذي يطلقه عليها المنقبون لوفرة الذهب فيها) وهكذا اختلف الوضع هذه المرة حيث ذهبت تازيازت للتحكيم الدولي تشبثا بهذه الرخصة بل وفي تصريح لاحق لكل من الوزير ومدير الشركة حول هذه الرخصة بأنها ستجعل من تازيازت الأكبر في إفريقيا ،ومع ذلك تقدمت تازيازت بدراسة تتضمن ضعف المردودية على النحو السابق فيا للخديعة ،مما لا يتطلب إنشاء شركة أو منشأة جديدة وقد كان ذلك هو سبب الخلاف معها أيضا وسحب رخصة التماي منها لأنها أيضا لم تقم بالإنتاج في الوقت المحدد .
ومع انتخاب الرئيس الجديد أرسلت تازيازت الناصحين المنذرين أو المرجفين إلى الرئيس الجديد وبثت معلومات تفيد انها ستكسب التحكيم وأن البلد سيدفع مليارات الدولارات تعويضا لتازيازت،كما أنه سيخسر مصداقيته أيضا ،إضعافًا لموقف موريتانيا ،ولم يكن بمقدور الرئيس الذي وجد 21 مليار أوقية فقط في الخزينة (طبعا مع حساب نصيب صندوق النقد الدولي لدعم الخزينة ) يخشى بل يبغض أي حديث عن أزمة سقفها مليارات الدولارات ، وكان الوزير الذي سحب الرخصة ضمن وجهة النظر الجديدة ! وبهذا تكوَن رأي عام داخل كواليس الدولة يبث الرعب والخوف من تداعيات الأمر ويدفع للتفاوض بأي نتيجة من أجل النجاة ويخطط فقط للحفاظ على ماء الوجه وهكذا لم تملك موريتانيا أي موقع تفاوضي قوي ولا أي مركز للإملاء ،لأن كل الذين لهم علاقة بالملف من قريب أو بعيد ينسجمون حول نفس الموقف!!!!!!كما لم تنظم الدولة دفاعها أصلا لتستفيد من بعض الحجج، وهكذا بتأثير الدور الجديد للوزير المتعاكس مع الدور السابق ، اتجهت موريتانيا للتفاوض وهي لاتملك أي أوراق ضغط ولا أي طموح سوى أن تفوز بجلدها بشأن رخصة التماي وكان أهم ما في الأمر هو أن الإتفاق بالأحرف الأولى أو إعلان نية التفاهم فقط وليس اتفاق نهائي ،وقد يكون على سبيل الفراسة خطة من الرئيس غزواني لوقف الملف في المحاكم وحصول موريتانيا على فرصة لدراسة أعمق للملف مع الإدارة والتوجهات الجديدة ، وهو الذي نتج عنه أي دراسة الملف -حسب أكثر الإفتراضات موضعية -صرخة الدولة الأيام الماضية ،بأن العلاقة مع تازيازت مجحفة .وقد اتضح أن النتائج كانت بعيدة من تصحيح الإختلالات وتمكين موريتانيا من الحصول على الفرص الضائعة في الإتفاقيات السابقة ومن القدرة على حماية نصيبها من عائدات الثروة مستقبلا .
لقد كانت نتائج هذه المفاوضات أو الإعلان الذي تم الترويج والتطبيل له ضمن نفس "اللوبي " أو الأصدقاء " كما اعتمدنا تسميتهم هروبا من الشحن العاطفي ، بأنه نجاح ، تضمن مغالطات كبيرة أهمها الإختلاف في مفردات الإتفاق ففي حين يقول الوزير بإن الاتفاق الجديد تضمن حصول الدولة على تثميل في مجالس ادارة الشركة، مما سيمكن من رفع مستوى التعاون والتشاور حول مسارات اتخاذ القرار، من خلال دخول ممثلين عن الدولة لأول مرة في مجالس إدارة جميع فروع شركة كينروس موريتانيا.
تقول الشركة بأنهم مراقبون من قبل الحكومة في مجلس إدارة شركة تايزازت موريتانيا المحدودة وأن دورهم هو تعزيز التواصل والتفاهم المتبادل بين الدولة وكينروس ،أي لا وجود لكلمة رقابة أو مشاركة " وعلى هذا المنوال يجري تزيين الخراب ،ففي اعتبار زيادة نسبة موريتانيا من المبيعات إلى سقف 6,5% المرتبطة (فرضا وعكسا )أي بالزيادة والنقصان لسعر الذهب فإن كينروس تمنح بصفة دائمة لدول افريقية أخرى نسبة 6% دون ربطها بسعر الذهب ،فلماذا هذا نجاح عندنا رغم أنه غير دائم ،وهو من نافلة الإتفاق لدى دول أخرى .
كما تضمن الإتفاق تبادل مبالغ بين موريتانيا وتازيازت حيث تعوض موريتانيا 16 مليار أوقية عن القيمة المضافة التي كانت الدولة تأخذها من الشركة المعفية من الصرائب ،وتدفع تازيازت 40 مليار أوقية لتسوية الخلاف مع الدولة حول استخدام المازوت للشركات المتعاقدة مع تازيازت ،أي أن كل ما في الأمر هو أن تحصل موريتانيا على 24 مليار أوقية من كل هذه الأزمة !.كما لم يتضمن الاتفاق أن تكون التماي رخصة مستقلة ينطبق عليها ما ينطبق على تازيازت ؟! فأي مزايا حصلت عليها موريتانيا ؟ ومتى سينتهي ملف التحايل .ثم كيف يمكن أن تحصد تازيازت الأموال في الخارج بسبب ارتفاع الأسهم الذي أحدثته الضجة حول الإكتشافات في موريتانيامقابل تعهدات باستثمارات داخلية كبيرة في حين لاتحصل موريتانيا على أي مزايا بل تقوم تازيازت بعيدا عن الأضواء بنقص العمال بدعوى الأزمة ،وبالتحايل في الدراسات الجدوائية على البلد ،وكأن البلد لاحساب له في معادلة تازيازت أبدًا ،بل أن المهم هو البورصة العالمية والدرك الأمريكي .
أي حلول نتوقعها في العهد الجديد؟
لا يمكن بناء حلول مستديمة قبل تفكيك جماعة "أصدقاء" الشركة في القطاع المعادن وفي رفوف النظام ،ومعرفة من أين حصلت الشركة على التصديق بعدم جدوائية المخزون ،نفس الشيء يجب أن ينطبق على أصدقاء الإتحاد الأوروبي في قطاع الصيد حيث يحصلون على 500ألف أورو سنويا لتعبأة الرأي العام في القطاع وفي مراكز حكومية مهمة للحفاظ على المصالح الأوروبية في قطاع الصيد . وكذلك الجماعة التي تشكلت حول مصالح الصينين وحول الأتراك كل ذلك ضد مصالح أو على الأقل لتقزيم مصالح البلد ،فيجب أن تكون هناك خطوة رادعة كإعلان لتوجه جديد إما عبر محاكمتهم بتهمة الخيانة العظمي أو خيانة الأمانة أو غيرها .
وبالعودة لتازيازت لابد من ولوج موريتانيا للمحاسبة الثانية لتازيازت وهي التي يمكن أن تحصل منها على المعلومات المرتبطة بالإستثمارات والتمويلات والديون هل يتناسق مع الأعمال على الأرض مع حجم الإنفاق ،كما يمكن أن تحصل منها على المعلومات الدقيقة حول التكلفة الحقيقي للإستخراج والربح الصافي فمنذ 2012 وتازيازت تمول المشاريع وتأخذ قروضا ،فهل فعلا تصرف كل هذه الأموال في الأهداف المعلنة ،وهل هناك ضرورة حقيقة أصلا لهذه المشاريع وهل انعكست على زيادة الإنتاج . لقد عينت موريتانيا إسماعيل ولد أعمر على متابعة نصيبها في شركة ميفرما حينها حيث لم يتجاوز 2% ،كما فتحت تازيازت محاسبتها للدرك الأمريكي الذي يحقق في مصالح البورصة الآمريكية ،فكيف لا تفتح امام موريتانيا لمتابعة 10%من الأسهم و25%من الأرباح و4% من المبيعات .على موريتانيا أولا إصلاح الإختلال فيما يتعلق بالتصريحات المتضاربة حول نظام الشخصين (هل هم أعضاء استحقاقين أو مراقبين ) وكذلك في ما يتعلق بالنسبة من المبيعات فيجب أن ترص الدولة نفسها مع البلدان التي تتعامل مع تازيازت ، أن تقف أولا وقبل كل شيء على مكتسباتها التي يمنحهم لها القانون :أن تمنع تازيازت من استيراد المواد المتوفرة البلد سواء في مجال الاستهلاك البشري (مثل اللحوم ،والماء المعدني ،والحليب وغيرها .كما يجب منع المقاولة الأجنبية إلا في أمور ليست في مقدور الموريتانيين ،كما بجب وقف منح أي وظيفة يمكن أن يشغلها موريتاني لأي أجنبي ،وعلى موريتانيا أن تفرض تعيين مراقب مالي ليست مسؤوليته الإعتراض على الإنفاق لكن للإطلاع عليه كي تتمكن الدولة من تكوين فكرة عن طريقة التسيير .
على موريتانيا أن لا تستأنف المفاوضات مع تازيازت بشأن توقيع اتفاق التماي قبل أن تكتبَ مكتب خبرة دولي يعمل تحت إشراف الوزارة ويبحث في عدة قضايا أساسية :
أولا مصداقية تحديد تكلفة الاستخراج التي تحددها تازيازت لوحدها وتلتهم كل وقت هامش الربح مما يقلل من نصيب البلد .
ثانيا حجم المشتريات وبشكل أساسي شراء الكثير من المعدات التي لاتنطبق على أجهزة الشركة والكثير من المواد الإستهلاكية التي تبقى في المخازن وتكلفة التسيير من لاس بالماس واستيراد المواد الإستهلاكية من الخارج والموجدة في موريتانيا منما يزيد من التكلفة وغيره ويجعل موريتانيا تخسر نسبتها العادلة من الربح التي ذهبت أدراج التسيير الأحادي المفرط من طرف تازيازت .
بناء مطار بتكلفة 25مليون دولار وغيره من التكاليف .
دواعي الديون من البنك الدولي في حين يمثل هامش الربح 65% تقريبا .
مراجعة الدراسات الجدوائية وغيره .
قد يتصور البعض أن تكلفة مثل هذه المكاتب كبيرة لكن بمقارنة مع النتائج المرتقبة لن يكون كبيرا مع أن أغلب أجرته سيأخذها من نسبة من المبلغ الذي ستحصل عليه أي من الأموال المسترجعة . إن هذه الإستشارة ستمكن الدولة من الحصول على قاعدة بيانات مهمة عن عمل الشركة وآلية تحليل تمكنها مستقبلا من القدرة على متابعة عمل الشركة من جهة ،ومن جهة ثانية ستمنحها وضعية تفاوضية كبيرة تنتزع بها كامل حقوقها الضائعة والحصول على حقوقها في المستقبل .
محمد محمود ولد بكار