لحن الأقدار..

أربعاء, 12/11/2025 - 18:33

بنشاب : كأنّ للأقدار لحنًا خفيًّا، تُديره أنامل الغيب على وترٍ واحدٍ، فإذا بالأحداث تتعاقب في انتظامٍ عجيب، يظنه الجاهل صُدَفًا، ويقرؤه اللبيب فيضًا من المعاني التي لا تُقال. أهي المصادفة وحدها من تجمع بين مواسم القضاء وموجات الفوضى؟ أم أنّها الأقدار تُلقي بشفراتها على صفحات الواقع لتقول إنّ وراء كل عاصفةٍ عقلًا منيرًا أرادوا طمسه، وإنّ الحقيقة — مهما توارت — لا تنام؟

أثناء محاكمة المحكمة الابتدائية، إذ ارتفع منسوب الجريمة فجأةً، كانت نواكشوط كمن فقدت بوصلتها الأمنية، وكأنّ حضور محمد ولد عبد العزيز، ذاك الرئيس الشهم البطل، كان في ذاته سياجًا من الطمأنينة، فإذا غاب حضوره عن ساحة الحكم، اضطرب النظام في صميمه. وحين صدر الحكم، عادت المدينة إلى سكينتها، كأنّها أفاقت من غيبوبةٍ عابرة، أو كأنّها أيقنت أن الظلم لا يُثمر إلا اضطرابًا، وأنّ الاستقرار لا يعود إلا حين يُنصف الحق.

ثم جاءت مرحلة الاستئناف، فانبثقت في الطرقات حبوب الهلوسة كأنّها رموزٌ لمجتمعٍ يتيه في أوهامه، تبحث عن معنى في زمنٍ ضاعت فيه المعايير. وما إن صدر الحكم حتى تلاشت تلك الهلوسة كما تتبخّر السراب في وهج الحقيقة، كأنّ الأرض لفظت عبثها، وارتدت إلى عقلها، لتقول: ما كان اضطرابنا إلا انعكاسًا لاضطراب العدالة.

ثم إذا بالمحكمة العليا تدور مداولاتها، فتخرج محكمة الحسابات بتقريرٍ جلجل كالرعد، وتُقذف في الساحة أرقام المليارات، وتُختتم المسرحية بمقتل موظفٍ، كلّها مشاهدُ أراد بها المخرجون أن يُغرقوا الحقيقة في غبار الصخب. لكن ما إن صدر الحكم حتى انكشفت الأوراق، فإذا بالأسماء التي أُريد بها التشهير تُبرّأ بحبرٍ من نور، وإذا بالفساد الذي نُسب زورًا إلى عهد محمد ولد عبد العزيز الشهم البطل، يتهاوى كبيتٍ من رملٍ في وجه عاصفة الصدق.

فهل هذا الترابط محض صدفة؟ أم أنّ الأرض تتفاعل مع عدل السماء، فتضطرب حين يُمسّ الحق بسوء، وتطمئن حين يُرفع عنه الغبن؟
ليس في هذا التتابع عبثٌ، بل هو إشارات القدر إلى أن للرجل مكانةً لا تُدركها عيون الحاسدين. فكلّما أرادوا إخماد اسمه، اشتعلت الأحداث من حولهم فضيحةً على نيةٍ، وفضحًا لزيفٍ كان يُراد له أن يُغطي على ضوء الحقيقة.

محمد ولد عبد العزيز، ذاك البطل الذي ظلّ صامدًا في وجه العواصف، لم يكن مجرّد رئيسٍ عبر، بل كان مبدأً تجسّد في هيئة رجل. وكلّ محاكمةٍ كانت في جوهرها امتحانًا لا لبراءته، بل لضمير وطنٍ يتلمّس وجهه في مرايا التاريخ.

فمن شاء فليسمّها صُدفًا، ومن شاء فليسمّها ترابطًا، أما العارفون فيعلمون أنّها سننٌ من سنن العدل الإلهي، تُعيد الأمور إلى نصابها كلّما حاولت الأيدي العابثة أن تعبث بمصير من حمل همّ الوطن بصدقٍ، وذاد عن كرامته بشرفٍ.

إنّها ليست مصادفات، بل شواهد منقوشة في ذاكرة الزمان، تقول إنّ محمد ولد عبد العزيز الشهم البطل، مهما اختلفت الأحكام، سيظلّ في ميزان التاريخ رمزًا للثبات، وصوتًا للحقّ لا يُخرسه البهتان، وإنّ العدل وإن تأخّر، لا بدّ أن يُنصف الرجال الذين وُلدوا ليكونوا عنوانًا للمروءة والعزّة واليقين.

Brahim abdellahi