في أي مرحلة يوجد مشروع الغاز آحميّم؟ ولماذا لم يستفيد المواطن منه ؟

أربعاء, 17/12/2025 - 23:33

بنشاب : يشكّل مشروع الغاز المشترك بين موريتانيا والسنغال في حقل آحميّم الكبير (GTA) أحد أضخم المشاريع الطاقوية في غرب إفريقيا، وأحد أبرز الرهانات الاقتصادية المطروحة أمام الدولة الموريتانية خلال العقد الحالي. غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم هو: في أي مرحلة يوجد المشروع؟ ومتى، وكيف، سينعكس إنتاجه على حياة المواطن؟

● مرحلة الإنتاج… لكن دون أثر مباشر

دخل مشروع الغاز مرحلة الإنتاج الأولي بعد سنوات من التطوير والاستثمارات الضخمة التي قادتها شركات دولية كبرى، غير أن العوائد المباشرة على الاقتصاد الوطني ما تزال محدودة، بحكم طبيعة الاتفاقيات، وكلفة الاستثمارات، وجدولة استرجاع النفقات، وهو ما يجعل الريع الحقيقي للمشروع مؤجلاً زمنياً.

وبحسب خبراء في قطاع الطاقة، فإن هذه المرحلة تُعد طبيعية في المشاريع الغازية العملاقة، غير أن ذلك لا يمنع من مساءلة الدولة حول مدى جاهزيتها لتحويل هذا المورد الاستراتيجي إلى رافعة تنموية حقيقية.

● الرهان السياسي قبل الاقتصادي

يرى مراقبون أن انعكاس إنتاج الغاز على حياة المواطن الموريتاني لا يتوقف فقط على حجم الاحتياطات أو الأسعار العالمية، بل يرتبط أساساً بـالاستقرار السياسي وثبات الرؤية الحكومية حول مستقبل المشروع. فغياب استراتيجية وطنية واضحة لإدارة الثروات الطبيعية قد يُبقي موريتانيا في موقع الشريك الضعيف داخل منظومة الشراكة، ويُكرّس تبعية طويلة الأمد لشروط استثمارية ومالية وُصفت من قبل مختصين بأنها “مجحفة”.

ويستحضر هؤلاء مقارنةً بما تحقق على الضفة الأخرى من نهر السنغال، حيث بدأت بعض مؤشرات الاستفادة المحلية تظهر بشكل أسرع، ما يعمّق شعور المواطن الموريتاني بعدم العدالة في توزيع ثمار المشروع المشترك.

●تهيئة الداخل شرط للاستفادة

رغم تأخر الريع الصافي، يؤكد محللون أن هذا التأخر لا يبرر تراخي الحكومة في تهيئة الظروف الضرورية لاستغلال الغاز وتصديره بشكل فعّال. ويشمل ذلك، أساساً:

  • تحسين مناخ الاستثمار، لتمكين المقاولات الوطنية من لعب دور فعلي في الخدمات المرتبطة بالقطاع؛
  • دعم استقلال القضاء، باعتباره الضامن الحقيقي للشفافية وحماية المال العام؛
  • ربط عائدات الموارد الطبيعية بمشاريع اجتماعية واقتصادية ملموسة، تعود بالنفع على الفئات الهشة.

● الفساد… العائق الأكبر

يبقى الفساد، بحسب متابعين للشأن العام، العقبة الأبرز أمام أي تعويل حقيقي على مشروع الغاز. فغياب المحاسبة، واستمرار مظاهر الإثراء الفاحش لعدد محدود من الأشخاص، يعمّق فجوة الثقة بين المواطن والدولة، ويُفرغ الحديث عن “الرفاه المشترك” من مضمونه.

ويحذر خبراء من أن استمرار هذه الوضعية قد يحوّل الغاز إلى مجرد ريع أحادي جديد، يُعاد تدويره عبر المضاربات العقارية وغسل الأموال، بدل أن يكون أداة للإقلاع الاقتصادي والتنمية المستدامة.

● بين الأمل والحذر

في المحصلة، يمثل مشروع آحميّم فرصة تاريخية لموريتانيا، لكن تحويله إلى مكسب وطني حقيقي يظل رهيناً بإصلاحات سياسية ومؤسسية عميقة، وبإرادة واضحة لقطع الطريق أمام الفساد، ووضع المواطن في صلب السياسات العمومية.

فمن دون ذلك، سيبقى الغاز حلماً مؤجلاً، وثروة تُستخرج من باطن الأرض، دون أن تُغيّر كثيراً من واقع من يعيشون فوقها.

تقرير صحفي

محمدعبد الرحمن ول عبدالله