بينبين عثرات القضاء وسُموّ الحقيقة: حين يتكلّم العدل من وراء الأسوار .

أحد, 09/11/2025 - 13:40

تانيد ميديا : في زمنٍ غامت فيه الرؤى، وتبدّلت فيه المفاهيم حتى صار المنكر معروفاً والمعروف منكراً، برزت ساحة القضاء لتكون مرآةً جليّة لما في النفوس من اضطراب، ولِما في مؤسساتنا من خللٍ عميقٍ يعبث بجوهر العدالة. وحين يتصدّر من لا كفاءة له منصة الفصل بين الناس، يصبح الحق غريباً في وطنه، وتغدو الموازين مائلة، لا تُنصف مظلوماً ولا تُهين ظالماً.

إنّ الأداء ـ كما قيل ـ رهين الكفاءة، والكفاءة لا تورث بالمنصب ولا تُشترى بالجاه، بل تُصاغ في بوتقة العلم والخبرة والنزاهة. غير أنّنا اليوم أمام مشهدٍ مضطربٍ تُديره عقولٌ أنهكها الجهل، وقلوبٌ أرهقها الطمع، ومحاكمُ تتقاذفها الأهواء كما تتقاذف الأمواج زورقاً بلا شراع.
أيّ عجبٍ أن نرى أحكاماً تُؤكَّد وتُثبت حيث سقطت التهم، وأن نُدهش أمام منطقٍ لا يقبله عقلٌ ولا يقرّه شرع؟! إنّها عبثية الجهل حين يتحوّل إلى أداةٍ للقمع، وإنها مهزلة الارتزاق حين يتدثّر باللباس القضائي ليتخفّى خلف ستار "الهيبة" و"الشرعية".
لقد صار بعض من تولّوا أمر القضاء ـ وما هم له بأهل ـ يتخذون من سموّ المنصب مطيّة لبلوغ مآرب دنيوية، يغذّون بها نزواتٍ سياسية، ويؤثّثون بها موائد الولاء الزائف، متناسين أنّ القضاء رسالةٌ لا تجارة، وميزانٌ لا سيفٌ يُشهر في وجه الخصوم.
أما الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فقد وجد نفسه ـ وسط هذه الزوبعة ـ هدفاً لسهامٍ مسمومة، تارةً باسم القانون، وتارةً باسم السياسة، حتى غدا كبشَ فداءٍ لأطماعٍ أرادت أن تستر عجزها بتلطيخ سيرة رجلٍ نذر نفسه يوماً للوطن. غير أنّ الحق لا يُطفأ بنفخ الباطل، ومهما تواطأ المتملقون وتناوب المنافقون، فإنّ للعدل موعداً لا يتأخّر، وللتاريخ ذاكرةً لا تنسى.

سيعلم الذين لعبوا بمصير العدالة أنّهم إنما حفروا قبورهم في سجلّ التاريخ بأيديهم، وأنّ الأيام حبلى بانكشاف المستور وارتداد المكر على أهله. فالحقيقة، وإن توارت خلف جدرانٍ عاليةٍ من الزيف، لا تموت؛ بل تنبعث من بين الركام ناصعةً كالنهار، شاهدةً بأنّ العدل وإن أُخر، فإنه لا يُمحى، وأنّ الله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.