
بنشاب : بيّن تقرير محكمة الحسابات وجود ضعف ملحوظ في تحصيل بعض الإيرادات مقارنةً بتقديرات قانون المالية المعدل لعام 2023. على سبيل المثال، سجلت الإيرادات المتنوعة تحصيلًا فعليًا يبلغ حوالي 3,077 مليار أوقية جديدة مقابل توقعات قدرها 4,582 مليار أوقية جديدة، أي بنسبة تنفيذ تقارب 67% فقط من المتوقع، مع عجز يناهز 1,505 مليار أوقية. كما انخفضت هذه الإيرادات بحوالي 306 مليون أوقية (نحو 9%)عن محاصيل السنة السابقة، مما يشير إلى قصور في تقدير أو تحصيل هذه البنود. في المقابل، حققت إيرادات رأس المال فائضًا غير متوقع؛ إذ بلغت المحاصيل الفعلية حوالي 1,136 مليار أوقية، أي 207% من التقديرات (تجاوزت المتوقع بأكثر من الضعف)، رغم أنها انخفضت بنسبة 21% عن محاصيل 2022 التي كانت تقارب 1,445 مليار أوقية. أما المنح والهبات الخارجية فكانت دون المأمول بشكل كبير، حيث قُدّرت بـ11,0 مليار أوقية في قانون المالية المعدل، لكن المحصل فعليًا لم يتجاوز 6,534 مليار أوقية، بعجز يناهز 4,465 مليار أوقية وتحقيق حوالي 59% فقط من المتوقع. ويُعزى ذلك لاحتمال تأخر وصول بعض المنح المقررة أو المبالغة في توقعها. وقد تكوّنت إيرادات المنح الفعلية أساسًا من منح مشروعات بحوالي 5,103 مليار أوقية ودعم مباشر للميزانية بقيمة 1,432 مليار أوقية.
يعكس هذا الأداء ضعفًا في التحصيل أو عدم واقعية التقديرات؛ حيث تظهر فجوات كبيرة بين التوقعات والإنجاز في عدد من البنود. قد يعود ذلك إلى قصور في جهود التحصيل (مثل الضرائب والرسوم المتأخرة أو ضعف متابعة المانحين للمنح الموعودة)، أو عدم دقة تقدير الإيرادات عند إعداد الميزانية المعدلة. على سبيل المثال، انخفاض تحصيل المنح الخارجية إلى أقل من 60% من المتوقع يشير إما إلى تعثر في تنفيذ الاتفاقيات مع المانحين أو تقدير مبالغ فيه للإيرادات المنتظرة. أما الإيرادات المتنوعة الضعيفة (67% من الهدف) فتدل على ثغرات في جمع الرسوم والعوائد المختلفة أو تفاؤل غير مبني على واقع في تقديرها. في المقابل، تحقق فائض في إيرادات رأس المال يفوق التقديرات قد يدل على سوء تقدير معاكس (أي تم التقليل من قيمة بيع الأصول والأراضي)، مما يعكس عدم اتساق منهجية التوقعات عبر البنود.
توصيات محكمة الحسابات
تحسين تقدير الإيرادات: يجب اعتماد منهجية أكثر حذرًا وواقعية في توقعات الإيرادات عند إعداد قوانين المالية، بالاستناد إلى أداء السنوات السابقة والمؤشرات الاقتصادية الفعلية، لتقليص فجوة التوقعات.
تعزيز جهود التحصيل: تقوية أجهزة التحصيل الضريبي والجمركي وتكثيف متابعة تحصيل الرسوم والإيجارات المستحقة للدولة، خاصة في البنود التي سجلت عجزًا كبيرًا (مثل الإيرادات المتنوعة)، لضمان عدم ترك أموال عامة غير محصلة.
متابعة تنفيذ المنح: التنسيق مع الجهات المانحة لضمان صرف المنح المتفق عليها في آجالها، ووضع خطط بديلة (أو احتياطيات) للتعامل مع أي تأخر أو نقص في التمويل الخارجي حتى لا يؤثر سلبًا على تنفيذ الميزانية.
ثانيًا: الحسابات الخاصة للخزينة وتضخم استخدامها
“صُرف على صندوق بناء المدارس وإعادة تأهيل البنى المدرسية (تابع لوزارة الإسكان) مبلغ 1,482 مليون أوقية دون أي اعتماد مرصود له في الميزانية الأصلية”
“ تم إنفاق 1,409 مليون أوقية في باب النفقات المشتركة عبر حساب خاص لاسترجاع الضريبة، بدون ترخيص اعتمادات أصلي”
ملاحظات: أظهر التقرير ارتفاعًا كبيرًا في إيرادات الحسابات الخاصة للخزينة (وهي حسابات التحويل الخاصة) خلال عام 2023، حيث بلغت المحاصيل الفعلية حوالي 4,849 مليار أوقية جديدة مقابل 5,205 مليار مقدرة، بنسبة تحصيل تقارب 93%. ورغم تحقق معظم المتوقع، تضاعفت تقريبًا إيرادات هذه الحسابات مقارنة بالسنة الماضية التي لم تتجاوز 1,966 مليار أوقية – أي بزيادة سنوية تُناهز 147%. يُشير ذلك إلى تضخم دور الحسابات الخاصة في مالية الدولة 2023. وفي نفس السياق، نفقات هذه الحسابات شهدت ارتفاعًا حادًا؛ فقد تضاعفت أيضًا بنسبة 127% مقارنة بـ2022 (من حوالي 2,13 مليار إلى 4,85 مليار أوقية منفذة). هذه الحسابات الخاصة تشمل صناديق وخدمات خاصة خارج الميزانية العامة الاعتيادية، ويبدو أنه تم استغلالها على نطاق واسع لتمويل إنفاق إضافي خلال السنة. فعلى سبيل المثال، رُفع سقف حساب دعم قطاع الثقافة والشباب والرياضة وأنفق منه 687 مليون أوقية رغم أن اعتماداته الأصلية كانت 455 مليون فقط (تجاوز بنحو 232 مليون أوقية). كذلك صُرف على صندوق بناء المدارس وإعادة تأهيل البنى المدرسية (تابع لوزارة الإسكان) مبلغ 1,482 مليون أوقية دون أي اعتماد مرصود له في الميزانية الأصلية. وأيضًا تم إنفاق 1,409 مليون أوقية في باب النفقات المشتركة عبر حساب خاص لاسترجاع الضريبة، بدون ترخيص اعتمادات أصلي. وقد بلغ مجموع الإنفاق من هذه الحسابات الخاصة دون اعتمادات أصلية حوالي 2,891 مليون أوقية موزعة بين حساب مشترك وحساب وزارة الإسكان.
تضخم الحسابات الخاصة يشير إلى سوء إدارة مالية يتمثل في تحويل الإنفاق إلى قنوات خاصة أقل خضوعًا للرقابة البرلمانية المباشرة. هذه الزيادة المفرطة توحي بأن الموازنة الأصلية لم تكن كافية أو مرنة لتغطية بعض النفقات، فتم اللجوء إلى رفع سقوف حسابات خاصة لسد العجز في بنود مثل النفقات المشتركة وتمويل مشاريع الإسكان وغيرها. رغم أن القانون يتيح إحداث وتحريك هذه الحسابات بقرارات وزارية، إلا أن الإفراط في استخدامها قد يعني ضعفًا في الشفافية وإمكانية هدر أو سوء توجيه للمال العام بعيدًا عن أعين البرلمان. ويسجل التقرير أن معظم التجاوزات في الإنفاق عن الترخيص تمت عبر هذه الحسابات الخاصة (مثل صندوقي النفقات المشتركة وبناء المدارس) بدون إعتماد في الميزانية، مما يشكل تجاوزًا للإجراءات الاعتيادية للموازنة.
التوصيات
في هذا الصدد أوصت محكمة الحسابات بما يلي:
إدماج الحسابات الخاصة في الموازنة: الحد من الإنفاق عبر حسابات التحويل الخاص وقصر استخدامها على الحالات الضرورية فعلًا. ويُستحسن إدراج معظم النفقات ضمن أبواب الميزانية العامة لتمر بالرقابة التشريعية.
تعزيز شفافية الصناديق الخاصة: نشر تقارير تفصيلية دورية عن حركة هذه الحسابات (وارداتها ومصروفاتها) وتمكين البرلمان ومحكمة الحسابات من مراجعتها بانتظام، لضمان عدم استخدامها كأداة للإنفاق غير المراقب.
ضبط إنشاء وتمويل الصناديق: ربط أي قرار برفع سقف حساب خاص بمبررات قاهرة وطارئة، مع الحصول على تصديق برلماني لاحق فوري وفق القانون (انظر التوصية الخاصة بالرقابة البرلمانية أدناه)، تفاديًا لتحويل هذه الاستثناءات إلى قاعدة عامة.
ثالثًا: تنفيذ النفقات العامة – تجاوزات وسوء توزيع الاعتمادات
ملاحظات: بلغ إجمالي تراخيص نفقات الميزانية لعام 2023 (بعد التعديل) حوالي 94,338 مليار أوقية، نُفِّذ منها فعليًا نحو 89,169 مليار أوقية بنسبة تنفيذ 94.5% من الاعتمادات【19††】. ويعني ذلك وجود وفر (اعتمادات غير منفذة) بقيمة تقارب 5,169 مليار أوقية. كما لوحظ أن الإنفاق الفعلي انخفض قليلًا عن العام السابق 2022 بحوالي 1.8% (كان تنفيذ 2022 حوالي 90,824 مليار). توزيع الإنفاق حسب الأبواب الإدارية كشف عن عدم توازن: فبعض القطاعات صرفت أقل بكثير من مخصصاتها، بينما تجاوزت قطاعات أخرى سقف الترخيص القانوني. وفق التقرير، سجلت 11 بابًا من أبواب الميزانية تجاوزًا في الإنفاق عن الاعتماد الأصلي المخصص لها، بلغ مجموعها حوالي 2,886 مليار أوقية. هذه التجاوزات تركز معظمها في باب الرواتب والأجور لمختلف القطاعات، حيث تجاوزت بشكل شرعي حدود الترخيص بنحو 1,160 مليار أوقية على مستوى الميزانية ككل. بالفعل، بلغت نفقات الرواتب والأجور المنفذة حوالي 25,583 مليون أوقية مقابل اعتماد مرصود قدره 24,424 مليون أوقية فقط (أي 104.7% من الاعتماد المرخص). في المقابل، نفقات السلع والخدمات لم تُنفذ بالكامل (حوالي 89.8% فقط من الاعتماد المخصص لها)، مما يشير إلى وفرة غير مستغلة في هذا البند. كذلك لم تُنفذ جميع مخصصات الإعانات والتحويلات (نُفّذ 97.7%)، ولا اعتمادات الاستثمارات واقتناء الأصول الثابتة (حوالي 90.8% تنفيذ فقط)، بينما تدنّى جدًا استخدام مخصصات القروض والمساهمات (حوالي 61% فقط). هذا التباين يدل على سوء توزيع أو إعادة توجيه للاعتمادات أثناء السنة.
على مستوى الأبواب القطاعية المحددة، يظهر أن بعض الجهات تجاوزت سقف الإنفاق المخصص لها قانونًا رغم إجراء مناقلات ائتمان. من الأمثلة التي رصدها التقرير: باب محكمة الحسابات (07) أنفق 128.9 مليون أوقية مقابل ترخيص معدل 110.1 مليون (تجاوز بنحو 17%)؛ وزارة العدل (باب 14) تجاوزت بحوالي 11.9 مليون أوقية فوق الترخيص؛ وزارة الدفاع (باب 37) أنفقت 2,513 مليون مقابل 2,253 مليون مرصودة (تجاوز ~260 مليون)؛ وزارة الخارجية (باب 39) تجاوزت بنحو 50.4 مليون؛ السلطة الوطنية لمحاربة الفساد (باب 64) تجاوز طفيف (~0.3 مليون)؛ وزارة الاقتصاد (باب 72) تجاوزت بحوالي 108 مليون أوقية؛ وزارة العمل الاجتماعي (باب 77) تجاوزت 76.8 مليون؛ وأخيرًا كان أكبر التجاوزات في النفقات المشتركة (باب 99) حيث فاق الإنفاق الترخيص بحوالي 1,077 مليار أوقية (نتيجة تمويلات خاصة إضافية كما سلف). هذه التجاوزات وُصفت بـ”الشرعية” لأنها تمت بعد إصدار مقررات رفعت سقوف الاعتماد من خلال التحويلات الداخلية أو الزيادة في الحسابات الخاصة، إلا أنها تظل مؤشرًا على عدم كفاية الاعتمادات الأصلية وسوء التقدير في التخطيط للإنفاق.
تحليل الخلل: يشير تجاوز الإنفاق عن الترخيص إلى ثغرات في ضبط التنفيذ الميزانياتي. فاضطرار الحكومة إلى تعديل سقوف اعتمادات أثناء السنة (سواء عبر مقررات نقل الاعتمادات بين الأبواب أو رفع سقف حسابات خاصة) يعني أن التوزيع الأصلي للاعتمادات لم يكن ملائمًا. أبرز مثال هو بند الرواتب الذي لم تُغطِّهِ المخصصات المرصودة، مما استدعى زيادة بحوالي 1.16 مليار أوقيةلتسويته. هذا قد ينتج عن توظيفات جديدة أو زيادات في الأجور لم تؤخذ بالحسبان في الموازنة الأصلية. بالمقابل، وجود وفورات كبيرة في بنود أخرى (كالسلع والخدمات والاستثمار) يوحي بأنه ربما أُعيد توجيه بعض مخصصاتها لتغطية العجز في الرواتب أو أنها لم تُنفذ لمشاريع مؤجلة، ما يثير تساؤلات حول مدى كفاءة توزيع الموارد حسب الأولويات الحقيقية. إن حصول تجاوزات في 11 باب ميزانية – رغم أنها سوّيت إداريًا – يكشف عن قصور في الرقابة الداخلية وضبط الإنفاق لدى تلك الجهات، خاصة وأن معظمها مرتبط بتعويضات الموظفين. هذا الوضع قد يفتح مجالًا لـممارسات غير سليمة (كتوظيف خارج المخطط أو صرف حوافز غير مرصودة) إذا لم يكن هناك تبرير واضح لكل تحويل اعتمادات.
التوصيات:
تعزيز الرقابة المسبقة على الإنفاق: يتعين على الأجهزة المالية (الخزانة والمراقبة المالية) عدم الإذن بصرف يتجاوز الاعتماد إلا بعد استنفاد كل المناقلات القانونية المتاحة، والتأكد من وجود سند قانوني (كاعتماد احتياطي أو تحويل مرخّص) قبل الإنفاق.
تحسين التخطيط وتوزيع المخصصات: ينبغي الاستفادة من دروس سنة 2023 لتعديل توزيع الاعتمادات في الموازنات اللاحقة؛ مثلاً زيادة مخصصات الرواتب بشكل يتناسب مع الزيادات المتوقعة في عدد الموظفين أو رواتبهم، وخفض المبالغ في بنود لم تُصرف بشكل كامل وإعادة توجيهها إلى مجالات أكثر حاجة. هذا يقلل اللجوء للتعديلات الطارئة خلال العام.
مراقبة كتلة الأجور: فرض ضوابط على أي توسع غير مخطط في كتلة الأجور (كتعيينات عشوائية أو علاوات استثنائية) إلا بحدود الاعتمادات المرصودة، وتحسين نظام الموارد البشرية الحكومي لضمان دقة تقدير نفقات الموظفين مسبقًا.
تفعيل الاحتياط العام: بدلاً من رفع سقوف حسابات خاصة لكل طارئ، يوصى باستخدام الاعتماد الاحتياطي في الميزانية (إن وُجد) لتغطية النفقات الإضافية غير المتوقعة، كونه مخصص قانونًا لهذا الغرض. على أن يتم ذلك بشفافية وعبر إشعار الجهات الرقابية.
رابعًا: قصور الرقابة البرلمانية والالتزام بالقوانين المالية
ملاحظات:
“قرار وزارة المالية رفع سقف حساب خاص بمقدار 1.5 مليار أوقية، لم يتم عرضه للمصادقة في أول دورة برلمانية”
“نفقات ممولة خارجيًا بنحو 8.11 مليار أوقية لم تُسجَّل في الحساب العام للدولة ضمن نفقات 2023”..
سجّل التقرير تجاوزات للإجراءات القانونية المنظمة للتصرف في الميزانية. أبرزها أن فتح اعتمادات إضافية عبر بعض المقررات الوزارية لم يُعرض على البرلمان في الدورة التالية لإقراره. على سبيل المثال، قرار وزير المالية رقم 0545/و.م/2023 بتاريخ 7 يونيو 2023 الذي رفع سقف حساب خاص (استرجاع رصيد ضريبة القيمة المضافة) بمقدار 1.5 مليار أوقية، لم يتم عرضه للمصادقة في أول دورة برلمانية تلت صدوره رغم أن قانون المالية المعدل صدر في 4 أغسطس 2023 أي بعد القرار بشهرين. هذا يخالف المادة (37) من القانون النظامي 2018-039 المتعلق بقوانين المالية التي توجب إخضاع هذه الزيادات لموافقة البرلمان في أقرب فرصة. كذلك أشار التقرير إلى عدم إشعار محكمة الحسابات ولجنة المالية البرلمانية فورًا ببعض المقررات التنظيمية التي عدلت الاعتمادات خلال السنة، خلافًا لما تنص عليه المادة (58) من نفس القانون النظامي التي توجب إبلاغهما مباشرة بأي تعديل في الاعتمادات. ومن جانب آخر، نبّهت المحكمة إلى ضوابط استخدام الاحتياطي العام وفق المادة (54) من القانون المذكور – إذ ينبغي حصر استخدامه لتغطية النفقات المستعجلة والطارئة فقط – في إيحاءٍ إلى أن بعض التحويلات التي جرت ربما كان ينبغي تمويلها من هذا الاحتياط وبإشراف برلماني بدلًا من رفع حسابات خاصة. علاوة على ذلك، تبيّن أن نفقات ممولة خارجيًا بنحو 8.11 مليار أوقية لم تُسجَّل في الحساب العام للدولة ضمن نفقات 2023، بل ظهرت فقط في مشروع قانون التسوية، وهو ما اعتبرته المحكمة مخالفًا لمقتضيات المادة (17) من القانون العضوي لقوانين المالية التي تعتبر القروض والموارد الخارجية أموالًا عمومية يجب تضمينها وتنظيمها في الميزانية. وكذلك المادة (76) التي تُلزم بتطبيق نفس قواعد الانضباط المالي على تسيير الموارد الخارجية. هذا يعني أن جزءًا مهمًا من الإنفاق (خاصة الممول من قروض أو منح أجنبية) تم خارج نطاق المحاسبة العادية ولم يخضع لرقابة البرلمان ضمن الميزانية السنوية.
تحليل الخلل: تعكس هذه الملاحظات قصورًا في الرقابة البرلمانية وضعفًا في الامتثال للإجراءات القانونية المالية. فعندما تقوم السلطة التنفيذية برفع سقوف الإنفاق عبر قرارات وزارية ثم لا تعرضها سريعًا على البرلمان، فإن ذلك يحدّ من دور السلطة التشريعية في الرقابة ويخلّ بمبدأ الفصل بين السلطات في إدارة المال العام. إن عدم مصادقة البرلمان المسبقة أو اللاحقة في الوقت المناسب على اعتمادات إضافية، خاصة ذات مبالغ كبيرة، يعني إنفاق أموال عامة دون تفويض شعبي مباشر كما يلزمه الدستور والقوانين المالية. أيضًا، حجب المعلومات عن محكمة الحسابات ولجان البرلمان فيما يخص التعديلات، يحول دون ممارسة الرقابة الآنية ويجعل الأمور تظهر متأخرة في قانون التسوية النهائي. هذه الممارسة تخالف صراحة نص القانون وتضعف مبدأ الشفافية. أما بخصوص عدم تسجيل النفقات الممولة خارجيًا ضمن حسابات الدولة خلال السنة، فهو يمثل إخلالًا بمبدأ شمولية وشفاقية الميزانية؛ إذ يفقد صناع القرار صورة كاملة عن الإنفاق الفعلي ويؤجل إظهاره إلى مرحلة التسوية الختامية. هذا قد يُخفي مؤقتًا مستوى العجز الحقيقي أو الإنفاق الكلي، مما يعد تلاعبًا إجرائيًا (ولو بحسن نية) في عرض البيانات المالية. بالمجمل، هذه الخروقات القانونية تشير إلى ضعف في احترام قواعد الحوكمة المالية المنصوص عليها، مما يمكن أن يفتح المجال لسوء التصرف أو إهدار المال العام دون محاسبة فورية.
التوصيات:
إخضاع التعديلات لموافقة البرلمان: يجب الالتزام الصارم بوجوب عرض أي فتح اعتمادات إضافية أو رفع سقف الإنفاق على البرلمان في أول دورة ممكنة للمصادقة، تطبيقًا للمادة 37 من القانون العضوي. ويفضّل إشراك لجنة المالية مسبقًا في تبرير الحاجة لأي تعديل جوهري في الميزانية.
تعزيز الشفافية والإبلاغ الفوري: يتعين على وزارة المالية تعميم كل مقرر أو قرار يُغيّر في الاعتمادات إلى كل من محكمة الحسابات واللجان البرلمانية المختصة فور صدوره، التزامًا بالقانون، وذلك لتمكين الرقابة اللحظية وتفادي أي شبهات.
احترام قواعد الاستخدام الطارئ: عدم اللجوء إلى إجراءات استثنائية (كرفع سقف حساب خاص) إلا في حدود ما تسمح به المواد (54) و(55) من القانون العضوي، أي فقط للحاجات الملحّة وغير المتوقعة، وبموازاة ذلك استخدام الاعتماد الاحتياطي العام بالموازنة عند الضرورة بعد إشعار البرلمان.
شمولية تسجيل الإنفاق: تضمين جميع النفقات، بما فيها الممولة من قروض أو منح خارجية، في سجلات الحسابات العامة للدولة خلال السنة الجارية، وعدم تأجيل ذلك إلى قوانين التسوية. فهذا يضمن أن تعكس التقارير الدورية والوضعيات المالية صورة حقيقية وشاملة للوضع المالي.
رفع قدرة أجهزة الرقابة: دعم استقلالية ودور محكمة الحسابات والبرلمان في الرقابة القبلية والموازية، عبر تمكينهم من الحصول على المعلومات المالية التفصيلية بشكل منتظم ودون تأخير، مما يعزز المحاسبة ويمنع أي استثناءات غير مبررة.
خامسًا: الدين العمومي وخدمة أعبائه
ملاحظات: أظهر التقرير أن خدمة الدين العمومي (الفوائد المدفوعة على الديون) شهدت استقرارًا نسبيًا خلال عام 2023، بارتفاع طفيف جدًا لا يتجاوز 0.27% عن عام 2022. فقد بلغت أعباء فوائد الدين المسددة حوالي 3,201 مليون أوقية في 2023 مقابل 3,193 مليونفي 2022. وتم تنفيذ هذه الأعباء بنسبة تقارب 100% من الاعتمادات المخصصة لها في قانون المالية المعدل، مما يدل على التخطيط الجيد لهذا البند واحترام سقفه. وتوزعت المدفوعات بين فوائد الدين الخارجي بحوالي 2,365 مليون أوقية (من أصل توقعات كانت 2,373 مليون، أي تم تنفيذ معظم المتوقع) وفوائد الدين الداخلي بحوالي 837 مليون أوقية (من أصل 840 مليون متوقعة). أي أن كلاهما نفّذ في حدود 99% من الاعتماد المرصود، دون تجاوز أو نقص يذكر. يُشكل إنفاق فوائد الدين حوالي 4% فقط من إجمالي نفقات الميزانية المنفذة لعام 2023، وهي نسبة معقولة توحي باستقرار عبء خدمة الدين قياسًا بحجم الإنفاق العام.
تحليل الخلل: لم يرصد التقرير في هذا الباب تجاوزات أو اختلالات مالية، بل يبدو الأداء مرضيًا وفي حدود المخطط له. الإنفاق على فوائد الدين تم كما هو مقرر تقريبًا، مما يعني أن تقديرات الفوائد كانت دقيقة وأن الدولة التزمت بسداد مستحقات ديونها في مواعيدها. ومع ذلك، فإن استقرار خدمة الدين عند 3.2 مليار أوقية سنويًا يبقى عبئًا على الخزانة يجب مراقبته، خاصة إذا زادت المديونية في المستقبل أو ارتفعت أسعار الفائدة. كما أن بقاء نسبة الدين الخارجي عالية في خدمة الدين (حوالي 74% من الفوائد المدفوعة كانت لدين خارجي) يعني تعرض الميزانية لتقلبات شروط الديون الخارجية. لذا فإن غياب مشاكل آنية لا يعني عدم الحاجة إلى الحيطة؛ فقد أشار التقرير في مواضع أخرى إلى أهمية تسجيل وإدراج كافة عناصر الدين ضمن الحسابات لضمان الشفافية، ومن ذلك مثلاً القروض الميسرة التي يجب إدراج نفقاتها كما ذكر سابقًا.
التوصيات:
مراقبة مستوى المديونية: الاستمرار في متابعة مؤشرات الدين العام لضمان بقاء خدمة الدين ضمن حدود آمنة كنسبة من الإنفاق العام، وتجنب الاقتراض بشروط قد تؤدي إلى قفزات في أعباء الفوائد مستقبلًا.
تعزيز إدارة الدين الخارجي: السعي لإعادة تفاوض على شروط الديون الخارجية لتخفيض تكلفتها عند الإمكان (سواء عبر مبادلة الدين أو تمديد الآجال)، مما يخفف عبء الفوائد السنوية ويحسّن الاستدامة المالية على المدى البعيد.
الشفافية في معلومات الدين: إدراج جميع التزامات الدين العام (خارجيًا وداخليًا) بشكل واضح في قوانين المالية والتقارير الدورية، مع بيان تكلفة خدمتها المتوقعة لعدة سنوات قادمة، إعمالًا لمبدأ الشمولية والشفافية في الميزانية.
الالتزام بسداد المستحقات: مواصلة الالتزام الدقيق بسداد فوائد الديون في مواعيدها لتفادي تراكم المتأخرات، والتخطيط المسبق لتوفير المخصصات الضرورية لذلك ضمن الميزانية كل عام.
في خلاصة ما سبق، يكشف تقرير محكمة الحسابات لعام 2022-2023 عن جملة من الاختلالات المالية والإدارية في تنفيذ ميزانية الدولة الموريتانية. تمثلت أبرزها في ضعف تحصيل بعض الإيرادات مقابل المقدر، والتوسع في الإنفاق عبر حسابات خاصة خارج الرقابة التقليدية، إضافة إلى تجاوزات على الاعتمادات المرخصة خاصة في باب الأجور، مقرونة بقصور في الامتثال الصارم لمواد القانون المالي (2018-039) المتعلقة برقابة البرلمان والمحكمة على التعديلات الميزانيّة. ورغم ذلك، شهدت بعض الجوانب تحسنًا نسبيًا أو استقرارًا مثل الانضباط في سداد أعباء الدين العمومي وعدم تجاوزها المخصصات.
إن تنفيذ التوصيات المقترحة أعلاه – من تحسين دقة التقديرات وتعزيز التحصيل، مرورًا بضبط الإنفاق والشفافية في التحويلات الخاصة، وصولًا إلى احترام الأطر القانونية للرقابة المالية – من شأنه تعزيز الشفافية والانضباط المالي وحماية المال العام من الهدر أو سوء الاستخدام. كما أنه يعيد الاعتبار لدور المؤسسات الرقابية (البرلمان ومحكمة الحسابات) في ضمان تنفيذ الميزانية وفقًا للقانون، ويثبّت مبادئ المساءلة المالية في تسيير موارد الدولة، الأمر الذي سيصب في رفع كفاءة الإنفاق وتحقيق أهداف السياسات العامة بفعالية أكبر.
