في العاشر من يوليو 1978 ، طُويت حقبة الراحل المختار ولد داداه رحمه الله ، الرجل الذي يُحسب له أنه من جيل التأسيس الذين انتزعوا لنا خارطة وطن نتفيئ اليوم ظلاله ، كما كان لحكومته نجاحات على المستوى الدبلوماسي ، ظهرت بشكل ملموس في تمثيلها المرموق في المحافل الدولية ، مقارنة بوزنها الفعلي.
غير أنّ الرجل حوّله مريدوه من رئيس خرج من تحت عباءة المستعمر - له ما له و عليه ما عليه - إلى قدّيس يلتفون حوله ليُرهبوا كل من حاول استعادة تلك الأيام الهاربة من التقويم ليضعها تحت مجهر النقد والتمحيص !
ومع ذلك فإنه لا مناص من القول إنّ الرجل رغم كونه رئيسا مدنيا ، فقد حكم البلاد بقبضة من حديد ، وانتهج سياسة الحزب الواحد وأَبعد معارضيه عن الوظائف وسجنهم وعذّبهم ، بل وقتل نظامه المتظاهرين العزل بدم بارد ! وزجّ بالبلاد في حرب بين الأشقاء أتت على الأخضر واليابس ، ولم يملك حينها شجاعة الإستقالة من منصبه ، بعد أنْ صار البلد في مهب الريح ، وإنما ظل متشبثا بالسلطة إلى أنْ أُزيح بانقلاب نفذه الجيش في مثل هذا اليوم ، ورغم وجاهة الأسباب التي ذكرها المنقلبون على الرجل حينها ، فإننا من يومها ، وكلما دوّتْ صفارة البيان ، خرج أحدهم من الجب ، لاعنًا سلفه ، واعدا بأنه من سيُعيد النور لفجر الأفول ، ومن سيطوي زمان الضياع والخنوع ..
ويمدّ خيوط الوعود ، فيسيلُ ريق الحرمان وتتطلّع العيون فوق هضاب الوجع ، ويلتف الجمع حوله ... ليستفيق على بيان جديد ..
ثم يمضي الليل ليأتي الليل !
ويستمر تناوب الظلمات .. وخنجر الوجع يهتز حاملا أشلاء الآمال . . .
إلى أنْ قيّض الله لهذه البلاد عزيزا صنْو العزم ...
فأهدى الوفاء لدم الشهيد ، وغرسَ الورود في ملامح المواطن ورفع اسم البلاد على كل نجم ، رغم الخذلان ، رغم التشكيك ، رغم البهتان ، رغم الإفك ، رغم الطعنات الغادرة ، رغم التنكر ....
لم يلتفت و لم يكترث ...
كانوا كلما روّضوا خيول البهتان في مستطيلات الفراغ ، ردّتْ الانجازات البادية للعيان جحافل غيّهم .
كانوا كلما تفنّنوا في رسم أشكال الوجع القادم أو الخطر المحدق ، بنى جيشا ، شيّد جامعة ، مستشفى ، قصرا ، مطارا .. أو استضاف قمة ، أو عبّد طريقا على عجينة الوهم التي يكيدون ..
فأيّ رجل جمعوا له كل الأحقاد في المُقَل ، فما زاد على أن تعطّر برحيق المجد و اكتحل !!
ثم سلم السلطة للشعب في صمت و رحل !
تاركا هذه الكائنات الرمادية عند سفح الوهم تجترّ الإفك والخطل !
عبثا يحاولون النفخ تحت غضّ الرماد ، لينضج التلفيق النيء و الآثم !
ومع ذلك ، لن يستعيد الشياطين دولتهم ، فالشعب يعي جيدا الفرْق الشاسع بين من بنى وشيّد على الصخر الصلد ، ومن يُمسك يراعا من الريح يرسم على الموج تعهدات كاذبة خاطئة .