بنشاب: كتب أحدهم حول ذكرى أول إنقلاب عسكري بموريتانيا (مرت منذ أيام) و الذي أطاح بأول حكومة مدنية بعد الإستقلال يقوده نخبة من خيرة ضباط الجيش آنذاك جيش خارج من حرب أنهكته و كان لا يزال في ريعان شبابه، كما أنهكت الإقتصاد الوطني و أضرت كثيرا بمستوى المعيشة و بالحياة الإجتماعية و الأمنية للمواطن.......
#في مثل هذا اليوم العاشر من يوليو 1978 ، طُويت حقبة الراحل المختار ولد داداه رحمه الله ، الرجل الذي يُحسب له أنه من جيل التأسيس الذي انتزع لنا خارطة وطن نتفيّأ ظلاله اليوم ، كما كان لحكومته نجاحات على المستوى الدبلوماسي ، ظهرت بشكل ملموس في تمثيلها المرموق في المحافل الدولية ، مقارنة بوزنها الفعلي ، إلا أنّ الرجل حوّله مريدوه من رئيس خرج من تحت عباءة المستعمر له ما له و عليه ما عليه ، إلى قدّيس يلتفون حوله ليُرهبوا كل من حاول استعادة تلك الأيام الهاربة من التقويم ليضعها تحت مجهر النقد و التمحيص ، و مع ذلك فإنه لا مناص من القول إنّ الرجل رغم كونه رئيسا مدنيا ، فقد حكم البلاد بقبضة من حديد ، فانتهج سياسة الحزب الواحد و أبعد معارضيه عن الوظائف و سجنهم و عذبهم ، بل و قتل نظامه المتظاهرين العزل بدم بارد ! و زجّ بالبلاد في حرب بين الأشقاء أتت على الأخضر و اليابس ، و لم يملك حينها شجاعة الإستقالة من منصبه ، بعد أنْ صار البلد في مهب الريح ، و إنما ظل متشبثا بالسلطة إلى أنْ أُزيح بانقلاب نفذه العسكر في مثل هذا اليوم ، و رغم وجاهة الأسباب التي ذكرها المنقلبون على الرجل حينها ، فإننا من يومها ، و كلما دوّتْ صفارة البيان ، خرج أحدهم من الجب ، لاعنًا سلفه ، واعدا بأنه من سيُعيد النور لفجر الأفول ، و من سيطوي زمان الضياع و الخنوع ..
و يمدّ خيوط الوعود ، فيبْتلُّ ريق الحرمان و تتطلّع العيون فوق هضاب الوجع ، و يلتف الجمع حوله ...
ثم يمضي الليل ليأتي الليل !
و يستمر تناوب الظلمات .. و خنجر الوجع يهتز حاملا أشلاء الآمال .. إلى أنْ قيّض الله لهذه البلاد عزيزا صنْو العزم ...
فأهدى الوفاء لدم الشهيد ، و غرس الورود في ملامح المواطن و رفع اسم البلاد على كل نجم ، رغم الخذلان ، رغم التشكيك ، رغم البهتان ، رغم الإفك ، رغم الطعنات الغادرة ، رغم التنكر .... لم يلتفت و لم يكترث ...
كانوا كلما روّضوا خيول البهتان في مستطيلات الفراغ ، ردّتْ الإنجازات البادية للعيان جحافل غيّهم .
كانوا كلما تفنّنوا في رسم أشكال الوجع القادم أو الخطر المحدق ، بنى جيشا ، أو شيّد جامعة ، أو مستشفى ، أو قصرا ، أو مطارا ، أو استضاف قمة ، أو عبّد طريقا على عجينة الوهم التي كادوا ..
أيّ رجل جمعوا له كل الأحقاد في المُقَل ، فما زاد على أن تعطّر برحيق المجد و اكتحل !!
ثم سلم السلطة للشعب في صمت و رحل !
تاركا هذه الكائنات الرمادية عند سفح الوهم تجترّ الإفك و الخطل !
و مع ذلك ، لن يستعيد الشياطين دولتهم ، فقد تجاوز القطار تلك المحطة التي يقفون عندها ..
و لا بد من صنعاء و إِنْ طال السفر !#
بشير بيادة