بنشاب : في اليوم الأخير من ديسمبر، أعلن في نواكشوط ودكار عن بدأ استخراج الغاز من حقل السلحفاة احميم الكبير GTA وهو خبر لقي اهتماما كبيرا في الرأي العام الوطني فالموريتانيون ينتظرون من الغاز تغييرا جذريّا لم تتمكن المعادن والشواطئ من تحقيقه فهل نحن بالفعل على أعتاب نهضة اقتصادية؟ أم أنها آمالٌ مبالغٌ فيها؟ وما الذي حال بيننا وبين التغيير خلال عقود من تصدير الحديد والذهب والأسماك بكميات معتبرة، وهل للغاز أن يكسر المعادلة ويغير واقع بلد صعب؟
لنجيب على هذه الأسئلة، يجب أن ننظر في الوضع الاقتصادي أولا.
باستثناء العاصمة نواكشوط ومنطقة الشمال المعدنية والجنوب الزراعية والشواطئ يكاد لا يوجد في المناطق الأخرى أي نشاط اقتصادي حديث ومربوط بالاقتصاد الوطني، لذا في غالبية المناطق الداخلية تكون الدولة هي المشغل الوحيد، مما يدفع إلى هجرة مستمرة منذ عقود نحو مركز هو نفسه غير مؤهل بعد لاستقبال كميات كبيرة من الزاحفين نحوه لذا لطالما شكل تثبيت المواطنين في الداخل في أماكنهم وخلق فرص حقيقية لهم هدفا حقيقيا لكل المهمومين بشؤون الوطن. ورغم أن قطاع المعادن والصيد أسندا الاقتصاد لمدة طويلة وكانا المشغلين الأساسيين بعد الدولة إلا أنهما لم يتكمنا من خلق قيمة مضافة حقيقية كانت لتحسن من الأوضاع كثيرا، هذا إلى جانب الإمكانيات الكبيرة الغير مستقلة في الزراعة والتنمية الحيوانية؛ واللذين يمكن أن يكونا الحجر الأساس لاقتصاد الولايات الداخلية. يبدو رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ ولد غزواني ووزيره الأول المختار ولد اجاي على وعي كبير بهذه القضايا، ورغم أن دينامكيتهما في هذا الصدد مؤشر مبشر لكن التحديات كبيرة أيضا سواء من خلال بنى تحتية لازال أمامها طريق طويل لتكون مؤهلة لاستيعاب المشاريع النهضوية الكبيرة، وكذا البيروقراطية الوطنية التي مازال ينقصها الترتيب والاحتراف. لذا فإن التحدي أمام هذين الرجلين كبير وكبير جدا.
والآن لنصل إلى محاولة للإجابة عن تساؤلنا عما يمكن ان يضيفه الغاز، والجواب الأهم حسب كلام الخبراء هو القيمة المضافة أو بمعنى آخر الصناعات التحويلية، وبهذا الصدد كانت الحكومة قد أعلنت بأن الطاقة المتوقع توفيرها من كميات الغاز الكبيرة، ستمكن من إنشاء مناطق صناعية تجذب المستثمرين الكبار إلى هذا الميدان، وبالتالي تطوير الانتاج الوطني وتوسيع خريطته والزيادة الكبيرة التي سيشهدها التشغيل نتيجة لذلك، كما التأثير الكبير الذي يتوقع أن يحدثه ذلك أيضا على مختلف القطاعات، وخاصة تلك التي ستمكن من إدماج الزراعة والتنمية الحيوانية في الدورة الاقتصادية الوطنية وبالتالي بعث الحياة في الولايات الداخلية المنهكة ودعم اللامركزية.
خلاصة الكلام أن المؤشرات تشير إلى تغييرا مهما يلوح في الأفق لكنه مرتبط بشكل أساسي بالحكامة الرشيدة والمشاريع ذات البعد الاستراتيجي على مستوى البنية التحتية والصناعية للبلد يمكن للغاز أن يكون ركيزة اقتصادنا المستقبلي الذي يغير ملامح الواقع ويعطي دفعة كبيرة لمستقبل أمتنا لكن ذلك يبقى رهينا بإرادة وطنية حقيقية وصادقة.