بنشاب : أمي الغالية إلى من تكلينني؟ إلى خادمة لا تعرفني، ولا ترحمني، لتشرف على تربيتي وأنا بعد في المهد أحتاج إلى أن أنام في دفئك، أحتاج إلى أن أبقى قريبا منك، يضمني حضنك، وأشعر بأمان صدرك وثدييك، أحتاج إلى مناغاتك، ومداعبة أصابعك الجميلة لوجنتي، وشفتي، أحتاج إلى عضة منك على ذقني الصغير..
أمي أنت لا تدركين الألم الذي أحسه حين أشاهدك تقفين طويلا كل صباح أمام المرآة، تتجملين، وتبتسمين لنفسك، فأعلم أنك راحلة، وتاركتي للفراغ، وحين أراك تأخذين ملحفة بدل أخرى، ثم تعودين إليها من جديد..أمي أنا أغار عليك، صدقيني. لا تجرحي براءتي، أمي، إن رائحة عطورك التي ترشين بها صدرك، وثيابك، وإبطيك تؤذيني، وتصيبني بموجات ربو لا تسكنها إلا صفعات مربيتي القاسية، وصراخها علي..
أمي، أما اكتشفت يوما-وأنا لا أستطيع الكلام- أن عيني الصغيرتين تستبقيانك وأنت تخرجين من الباب متأبطة حقيبتك الإبطية، وتعبث أصابعك بجماعة مفاتيح سيارتك...أمي ما أشد ألمي حين أسمعك تقولين للخادمة غيري حفاظته، فأنا رغم صغري لا أحب أن يرى عورتي، ويلمس مناطقي الخاصة إلا أنت يا أمي..
أمي، ألا تعلمين أنني لا أعيش معك، وأن الساعات العشر التي تقضينها خارج البيت في العمل وأنا في قبضة خادمة، تضربني. وتعنفني، نعم أنا أسمعها تدعو علي، وعليك يا أمي، تقرص أذني، وتارة تقرص عضوي الصغير بأظافرها الطويلة حتى أغيب ألما، أمي قلمي أظافرها حتى يخف وجعي..
أمي كنت أسقط على وجهي، وأحس بضيق التنفس، وتتأخر مربيتي طويلا عن إنقاذي..
أمي، كم جمعت حلقات تعذيبي، ومعاناتي، ورتبتها لأحكيها عليك، لكنك كنت تنامين عني بسرعة، لأنك تعودين إلى البيت مرهقة..وأحيانا تنشغلين عني بالزائرين، والزائرات..
أمي لماذا تنقلينني إلى دور حضانة الصغار التي تدعونها رياض الأطفال..لماذا، هل أنا يتيم بلا أهل، ولا أقارب؟ لماذا أعيش محتجزا مع ذلك القطيع الصغير مع أمة لا أعرفها، ولا تعرفني، أتكيلنني يا أمي في هذه المرحلة من عمري، وأنا أحتاج إلى توجيهك، ونصحك، وتعليمك، إلى من يكفلني بدلك؟ لماذا يأ أمي، هل رخص الأطفال؟ أم صاروا لا يحتاجون إلى تربية أم، وإشراف أم، ورعاية أم؟ أمي إني أفتقد رحمتك، وعطفك، وتدليلك، أفتقد الحكايات الجميلة التي أسمعها من أصحابي حين يروونها عن أمهاتهم...
أمي أنا آسف، لأن ما سأقول لك يعذبني، ألست مشروع رجل جدير بالسهر والرعاية؟ أليست مشاريع بناء الأنسان، وتنشئة الإنسان أغلى، وأربح من كل المشاريع المادية؟ أمي هل أنا حقا ضحية عملك، وانشغالك، وبرامجك...
أمي لا تعتبي علي فرياض الأطفال اليوم التي تتخلصون منا فيها، هي نفسها دور المسنين التي سنتخلص فيها منكم غدا..
نعم أمي، فستكون لي أعمال كأعمالك، والتزامات كالتزاماتك، وعلاقات كعلاقاتك، وانشغالات أشد ازدحاما، وتراكما من انشغالاتك، فهل ترضين أن أتخلى عنك عجوزا، ضعيفة، كما تخليت عني صغيرا ضعيفا، لا حول له، ولا إرادة؟ هل ترضين أن أودعك لدار العجزة، والمسنين، ليؤدبك قوم يظهرون الحنان، ويضمرون القسوة، يعنفونك، ويعذبونك، وينظرون إلى عورتك، كما أوكلتني رضيعا لخادمة تتهجمني، وتؤذيني في غيبتك الطويلة عني، وطفلا إلى دور رعاية أطفال، تتربح من قطيعنا الصغير؟..أمي، إن أنا فعلت فذلك حصاد تربيتك، والفراغ الذي عشته بعيدا منك على قرب، قريبا منك على بعد..أمي أرجو أن لا أطبق فيك عدالة كما تدين تدان، أمي أنت لم تعلميني كيف أحبك، لأني لا أعرفك حقيقة، ولم تشحني عقلي في فترة التلقي بتلك المعارف، والأخلاق، والقيم التي تغرسها الأمهات في أطفالهن، وتثبت في عقولهم، ويسيرون على هديها في حياتهم، لأنك كنت مشغولة عني بأعمالك، وأسفارك، وبرامجك اليومية التي ليس لي فيها نصيب...
أمي، كلما تصفحت ذاكرتي الصغيرة وجدتها مشحونة بألوان دهان الخادمات، وروائح عطرهن الكثيف، وأسماء وأشكال ضفائرهن، وصديقاتهن، وصراع صويحباتهن في مغامراتهن الجنسية الرخيصة..أمي، كيف إذن تتصورين أن يكون ابن بطنك، الغائبة عنه أخلاقا، وتنشئة، وتهذيبا، عندما يصبح رجلا..
أمي الغالية، هل تعلمين أن الخادمة تستاك بفرشاة أسناني، وأني أرى دماء لثتها تنزف عليها..هل تعلمين-أمي أرجوك لا تخبريها بهذا إني أخاف أن تنفذ تهديدها بذبحي- هل تعلمين أنها تداعب ذكري الصغير...أمي هل تعلمين أن مربية أختي تعريها، وتصور عورتها، وتداعب متاعها الصغير كذلك بأصابعها، وأحيانا بأعواد الأعشاب، أمي وهل تعلمين أنهما تتسليان رغم صغرنا.......أماه، لا أستطيع أن أكمل، فالأمر فظيع..أمي أنا خائف جدا، هل صحيح أن عاملة بيت تسقي ودائعها الصغار كؤوس بولها، وأن أخرى خنقت صغيرا حتى مات..؟
أمي أرجو ألا تكون في القبور مربيات أطفال، ولا رياض أطفال..
أمي هل ستجلسين معنا أطول في قبورنا، وتحكي لنا القصص الجميلة، وتداعبين وجناتنا، هل ستعضين بأسنانك الحلوة ذقوننا الصغيرة، وتطبعين على جباهنا قبل حنانك الدافئة...
أمي أنقذيني وأختي أو علمينا كيف ننتحر...