بنشاب : *خواطر الصباح* …
يقولون إن أحب شيء إلى الإنسان ما مُنعَ، وإنها لعمري مقولة على قدر كبير من الصدق، شاهدتها في نفسي عندما تنتابني رغبة قوية – لا أعرف سببها – في معرفة هوية بعض الشخصيات المجهولة التي نقل لنا الشعر والأدب والتراث أسماءها، ومعرفة كيف كانوا وإلى ما صار أمرهم، مع علمي أن ذلك أصبح في حيز المستحيل، فأطلقَ العنان لخيالاتي لتأتيني بصُور يستعيدها الذهن كلما قرأت أو أنشدت أو سمعت تلك الأشعاروالأخبار وكأنها ريبورتاج على “فيلمٍ” يتم عرضه على شاشات الذهن الخيالية … مَن يدري؟ ربما استحالت تلك الاستحالةُ إمكاناً في ظل ما نشاهده اليوم من تطور خارق في الذكاء الاصطناعي وما له من قدرة على استغلال المعلومات المتوفرة وإعادة تدويرها في صنع معلومات جديدة لم تكن بالمتناول – معلومات لها بالطبع حظها من الحقيقة والافتراض …
فمَن هو ابن خذام الشاعر القديم الذي ذكره امرؤ القيس في شعره؟ ومن أي قبيلة هو؟ وأين وفي أي زمن عاش؟ وكيف يا تُرى كان شعره الذي جعله امرؤ القيس أسوةً في بكاء الديار؟
عوجا على الطلل المُحيل لعلنا
نبكي الديار كما بكى ابنُ خذامِ
وما ذا عن أم الحُويرثِ وأم الرباب؟ وكيف كانت تنتصبُ خيمتاهما بموضع “مأسل” وكيف كان أثاثهما؟ وهل كانت الخيمتان على ربوة أو في منخفض من الأرض؟ وهل كانتا منفردتين أو بين خيام أخرى؟ وهل صحيح انتسابهما لقبيلة كلب كما يروون؟ شخصياً، كنت في الصبوة أتخيل تينك الخيمتين ذاتَ ضحوة في يوم صاحٍ في مكان جميل … وفي سياق متصل، أتذكر أن أحد الأتراب كان يحدثني أنه – وهو صبي – كان يتخيل أن المَحشر وما تعلق به سيحصل بين مَراجل سيدةٍ تصنع العصيد في الجانب الشمالي من القرية
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْـرِثِ قَبْـلَهَا
وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ المِسْـكُ مِنْـهُمَا
نَسِيْـمَ الصَّـبَا جَاءَتْ بِرَيَّـا القَرَنْفُلِ
وماذا عن عُنيزة وفاطم وغيرهن ممن تشبب بهن الملك الضليل؟
ويصل فضولي أقصاه لمعرفة معلومات أكثر عن نُبيشة بن حبيب السلمي قاتل ربيعة بن مكدم، تلك الشخصية التي ذُكرت عرضا في أبيات تحيلني إلى الشعر العربي الأصيل المتدفق الفياض بالمشاعر الصادقة الخالي من الصنعة والتنميق
نَفَرَت قُلوصي مِن حِجارَةِ حَرَّةٍ
بُنِيَت عَلى طَلقِ اليَدَينِ وَهوبِ
لا تَنفُري يا ناقَ مِنهُ فَإِنَّهُ
شَرّابُ خَمرٍ مِسعَرٌ لِحُروبِ
لا يَبعُدَنَّ رَبيعَةُ بنُ مُكَدَّمٍ
وَسَقى الغَوادي قَبرَهُ بِذُنوبِ
لَولا السِفارُ وَبَعدُ خِرقٍ مَهمَهٍ
لَتَرَكتُها تَحبو عَلى العُرقوبِ
فَرَّ الفَوارِسُ مِن رَبيعَةَ بَعدَما
نَجاهُمُ مِن غَمرَةِ المَكروبِ
يَدعو عَلِيّاً حينَ أَسلَمَ ظَهرَهُ
فَلَقَد دَعَوتَ هُناكَ غَيرَ مُجيبِ
نِعمَ الفَتى أَدى نُبَيشَةُ رَحلَهُ
يَومَ الكُدَيدِ نُبَيشَةُ بنُ حَبيبِ
ويساورني فضولٌ ليس أقل من ذلك عن شخصيتين ذكرهما طرفة بن العبد في معلقته الدالية الجميلة
فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد
ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثدِ
فَأَصبَحتُ ذا مالٍ كَثيرٍ وَزارَني
بَنونَ كِرامٌ سادَةٌ لِمُسَوَّدِ
أَنا الرَجُلُ الضَربُ الَّذي تَعرِفونَهُ
خَشاشٌ كَرَأسِ الحَيَّةِ المُتَوَقِّدِ
ويأتي العهد الإسلامي ويبقى الغموض يثير الفضول لدي عن رجال لهم ذكرهم في السيرة الغراء، مثل كنانة بن الربيع أخي أبي العاصي بن الربيع رضي الله عنه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمرو بن أبي سفيان والمُراسل الشهير ضمضم بن عمرو الغفاري المذكور في غزوة بدر، وسفيان الضمري الذي أخبر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الصديق بمسار جيش قريش لبدر …
وبعد ذلك بما يزيد على ألف سنة، أتساءل من هي “منتْ أُرَيْـزِڭْ” التي عتتْ العواصف بقُوتِها كما ذكره العلامة بابكر بن احجابْ الفاضلي في نظمه في التاريخ، وارتبط اسمها بعام شدة وقحط؟
ومن هو ناصر بن علي الذي بعث بكتاب للمرابط امحمد ول أحمد يورَ، فأنشا لمرابط امحمدْ يقول
هذا كتابٌ أتى مِن ناصرِ بن علِي
يحكي كلامَ أميرِ المؤمنينَ عَلِي
عارٌ علينا وهُو مكتوبُ أنْمُلِهِ
ألا نقابلهُ باللثمِ والقُبَلِ ؟
ومن هو قطب بني عثمان الذي أشار إليه في بيتيه التاليين
حذارِ منَ الأقطابِ واعلمْ بأنهمْ
يخوضون في بحرٍ عميقِ غَطَمْطَمِ
وقطبُ بني عُثمانَ مَن رامَ عِرْسهُ
فقدْ رامَ لحماً بين أنيابِ ضَيْغَمِ؟
ومن يكون مولود الذي يرقص امحمدْ ابناً له فيقول
أدخلتُ في جيب طه ثمَ مَن نُـودي
مِنْ جانب الطـورِ مولودًا لمولودِ
ما قِيسِ مولودُ بالفتيانِ قطُ وما
يُقاسُ مـولودُ مولودٍ بمولـــــــودِ؟
ومن هما ابن الحمامة وابن عثمان ؟ المذكوران في أبيات للشاعر محمذن بن بابكر بن احجاب الفاضلي لم يبق في الذاكرة منها إلا قوله
عيراً مِنَ العُمْشِ مِن داڭانَ طالعةً
نجل الحمامةِ فيها وابنُ عثمانِ ؟
وهل من معلومات أكثر عن شخصيات ذكرها القاضي محمذن بن محمد فالْ “امَّيَيْ” في نظمه للحوليات مثل المُعُمَّر “سامةَ” و”رحمَه” و”بنت اِجِيِّدْ”
وفيهِ سامتْ “سامةَ” الوفاةُ
مِن بعدِ ما طالتْ به الحياةُ
وشاركتْ “رَحْمَ” بدارِ الصيفِ
فيهِ ابنتَ الجَيِّدِ أمرَ الضيفِ
ولا شك أن الكثيرين يشاركونني الفضول لمعرفة شخصيات وطنية مرموقة في التراث الموريتاني من أمثال “لَفْـرَكْ” المعروف بالقوة، والسَّيدة “تَيْبَ” المشتهرة بالتبسيط في حلولها، و”اللـڭلوڭْ” و”ابنُ اِجِّنْبَه” المضعفة روايتُهما فيما انفردا به، والمسرف على نفسه غايةً “أحمدْ حرطانْ” … وربما سنح لأحد فرسان الميدان أن يؤلفا لنا كتاباً في هذا الموضوع وأن يسميه “خير الميراثْ في أعلام التراثْ”.
عز الدين بن ڭراي بن أحمد يورَ