بنشاب : لقد اتسم المشهد السياسي الوطني منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة حتى انتخابات 13 مايو 2023 بجو من الانفتاح والتهدئة نتيجة تلاقي الإرادات بين فخامة رئيس الجمهورية والمعارضة؛ وهو ما كانت الساحة السياسية في أمس الحاجة إليه؛ حيث شكلت هذه المقاربة في تسيير الشأن العام قطيعة جلية مع نمط الحكم الذي كانت تتبعه السلطة السابقة.
جوهر الاتفاق:
فعلى مدى أربع سنوات استجابت بالفعل المعارضة الديمقراطية المستنيرة والمسؤولة بشكل إيجابي لهذه المقاربة الجديدة؛ التي تحدد الحوار الصريح والبناء بين مختلف الفاعلين السياسيين.
كما تقبلت اليد الممدودة من طرف رئيس الجمهورية خاصة وأنه قد عبر علانية عن تشبثه بالقيم ومشاريع الإصلاح التي دافعت عنها المعارضة بلا كلل ولا ملل على مدى السنين.
وتتعلق هذه القيم والمشاريع على وجه الخصوص بتقوية اللحمة الاجتماعية والحفاظ على الوحدة الوطنية من خلال القضاء على ممارسات الرق ومخلفاته وتسوية ملفات حقوق الإنسان والمظالم العالقة والإصلاح الضروري لمؤسسات الدولة والحاجة الماسة إلى إرساء الحكم الرشيد.
كما تتعلق بتحسين الظروف المعيشية للمواطنين؛ وتوفير خدمات عامة ناجعة سواء فيما يتعلق بالأمن والتوظيف والصحة والتعليم؛ وكذلك بالتشاور بين الشركاء السياسيين حول كافة القضايا الوطنية الجوهرية؛ وقد أدى التقارب في وجهات النظر بين السلطة والمعارضة حول مثل هذه المواضيع الوطنية إلى إبرام اتفاق بين الحكومة والأحزاب السياسية بشأن إجراء إصلاحات على المدونة الانتخابية تهدف إلى تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة هي وحدها الكفيلة بمنح المنتخبين ثقة المواطنين كشرط أساسي مسبق لمشروعية تمثيله.
وانطلاق من الاهتمام المشترك بين الطرفين بشأن مستقبل موريتانيا يأتي هذا الاتفاق في سياق وطني دقيق حيث تسعى بعض القوى لجر البلاد إلى عدم الاستقرار بل وحتى إلى الفوضى؛ وعلى الرغم من البعد الإيجابي للاتفاق المذكور فإن تطبيق البنود المتعلقة بالعمليات الانتخابية كشف عن اختلالات ونواقص ندد بها جزء كبير من الطبقة السياسية مطالبا لهذا السبب بإصلاح النظام الانتخابي.
إن حالة الخلاف التي سادت بين القوى السياسية بعد انتخابات 13 مايو 2023 تأتي في الوقت الذي تحتشد فيه شبكات الإرهاب والتهديد على حدودنا وتنمو فيه الجريمة وتتنوع في حيزنا الجغرافي، ويضاف إلى هذه المصادر المثيرة للقلق الشديد حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن السائد في المنطقة، حيث أضحت للأسف العديد من البلدان في قبضة الاضطرابات والأزمات المفتوحة على الصعيدين السياسي والاجتماعي؛ وذلك في سياق أزمة دولية حادة تتميز على وجه الخصوص في اندلاع حرب شبه عالمية.
خارطة الطريق:
إننا نحن الأطراف الموقعة عاقدين العزم على مواجهة هذه التحديات، والمخاطر المتعددة؛ نؤكد من جديد تشبثنا بالمحافظة على استقرار وأمن بلدنا من خلال إرساء نظام يقوم على العدالة الاجتماعية وسيادة القانون والديمقراطية:
- نعتبر أن الأغلبية والمعارضة هما الفاعلان الرئيسيان للديمقراطية وأنهما تتحملان كل فيما يخصه المسؤولية السياسية والأخلاقية عن كل ما يمكن أن يحدث للبلد بسبب انعدام الرؤية وغياب التبصر.
- نقرر تجاوز تناقضاتنا خدمة للمصالح العليا للأمة ولتجنب المخاطر التي قد تواجه بلدنا جراء الخلافات أيا كانت طبيعتها داخل الطبقة السياسية.
- نعتزم القيام على وجه السرعة بدراسة معمقة لنظامنا الانتخابي؛ وإذا لزم الأمر الشروع في الإصلاحات ذات الصلة من أجل التغلب على الو ضع الناجم عن الانتخابات الأخيرة؛ وتجنب أي خلاف انتخابي في المستقبل.
- نعرب عن إرادتنا المشتركة في إجراء الإصلاحات الأساسية الضرورية لصون الوحدة الوطنية وتعزيزها، وترسيخ قيم الديمقراطية ودولة القانون؛ وتحقيق العدالة الاجتماعية والحكم الرشيد؛ وذلك من أجل تحسين الظروف المعيشية لمواطنينا الذين يعانون جراء الأزمة وبسبب تداعيات الأوضاع الناجمة عن العشرية المنصرمة.
- سيتم إجراء هذه الإصلاحات في إطار وطني شامل وتشاوري على شكل ورشات انطلاقا من قائمة الموضوعات الملحقة بهذا الاتفاق والتي تشكل جزء لا يتجزأ منه..
- نعلن عن إنشاء تفاهم سياسي وطني جمهوري وديمقراطي يدعى الميثاق الجمهوري مفتوح أمام جميع الفاعلين السياسيين الراغبين في الانضمام إلينا من أجل تنفيذ الإصلاحات المذكورة أعلاه.
- نعلن أن الميثاق الجمهوري سيعمل على جميع الأصعدة وبكافة الوسائل للمضي قدما ببلادنا إلى المزيد من الوئام والوحدة والتماسك الاجتماعي؛ ومن ثم إلى الديمقراطية والتنمية والازدهار.
- أخيرا، نتفق على إنشاء لجنة للسهر على تنفيذ هذا الاتفاق في أجل لا يتجاوز شهرين من تاريخ توقيعه، وتتكون اللجنة من ممثلين عن الأطراف الموقعة.
ملحق الاتفاق السياسي:
ستتمحور الإصلاحات المذكورة في نص الاتفاق السياسي بشكل خاص حول المحاور التالية:
1. القيام على وجه السرعة بدراسة معمقة لنظامنا الانتخابي؛ والشروع في الإصلاحات ذات الصلة من أجل التغلب على الوضع الناجم عن الانتخابات الأخيرة؛ وتجنب أي خلاف انتخابي في المستقبل.
2. استحداث آلية ذات مصداقية لحل ملفات حقوق الإنسان؛ والمظالم العالقة والعمل من أجل تسويتها بصفة نهائية؛ مع الأخذ بعين الاعتبار بما قيم به من سابق إجراءات في هذا الصدد.
3. اعتماد تدابير ملموسة تهدف إلى ترجمة التنوع الثقافي للبلد إلى واقع في المجال العام لا سيما على مستوى وسائل الإعلام؛ والبرامج التعليمية؛ والفعاليات الرسمية، والاعتراف بقابلية اللغات الوطنية الإفريقية للولوج إلى مرتبة اللغات الرسمية.
4. السهر على تفعيل وتطبيق المنظومة القانونية المجرمة للممارسات الاسترقاقية والعنصرية وغير المنصفة في حق الفئات المغبونة؛ وإنشاء آلية وطنية لرعاية ضحايا هذه الممارسات؛ وإعادة دمجهم في المجتمع بما في ذلك اعتماد وتنفيذ سياسة وطنية متكاملة للتمييز الإيجابي لصالحهم،
5. تكريس مبدء المساواة وتكافئ الفرص بين عموم أفراد الشعب في كافة المجالات وعلى جميع الأصعدة،
6. محاربة ارتفاع الأسعار من خلال التدابير المناسبة التي من شأنها أن تحمي بشكل مستديم القوة الشرائية للمواطنين؛
7. وضع آلية فعالة لتعبئة وطنية من أجل دعم وتعزيز سياسة هادفة إلى تحقيق اكتفاء ذاتي في المجال الغذائي؛
8. تعزيز الحكم الرشيد في مجالات تسيير الشأن العام والإدارة والمالية العامة من خلال تعزيز آلية وطنية لمكافحة الرشوة وتنفيذها بفعالية؛
9. الحرص على تطبيق توصيات المشاورات الوطنية حول إصلاح التعليم؛ وتكاتف جهود القوى الوطنية من أجل إنجاح المدرسة الجمهورية؛
10. الحرص على تطبيق توصيات المشاورات الوطنية حول إصلاح العدالة؛
11. تطبيق الفصل الصارم بين الوظائف السياسية؛ والفنية والمضي قدما في النأي بالإدارة العامة عن المعترك السياسي والمسابقات الانتخابية؛
12. العمل على النهوض بالأحزاب السياسة والصحافة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمجموعات المحلية للعب دورهم كفاعلين رئيسيين في تنمية البلد؛
13. العمل على إقامة حوار اجتماعي مستديم بين الشركاء الاجتماعيين والسهر على حماية حقوق العمال؛
14. وضع استراتيجية وطنية متكاملة لحماية الأطفال والشباب من المخدرات والانحراف والعنف ومعالجة البطالة وهجرة الشباب؛
15. السهر على توفير المزيد من التمكين للنساء والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة؛ والعمل على دمجهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في البلد؛
16. إنشاء صندوق سيادي يغذى من إيرادات المحروقات؛ ويخدم التنمية الاقتصادية المستدامة والمتوازنة للبلد، ويحافظ على مصالح الأجيال القادمة؛
17. السعي لضمان حشد الخبرات وتشجيع الاستثمارات من قبل جالياتنا في الخارج لصالح الوطن.