الخطاب السياسي لجبهة التغيير الديمقراطي

ثلاثاء, 08/08/2023 - 08:30

بنشاب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله 

 ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.  

أيها الإخوة المواطنون

إيمانا بالله عز وجل، وتمسكا بقيم الدين الإسلامي الحنيف، وخدمة للشعب الموريتاني والمصلحة العليا للوطن، وطبقا للدستور والقوانين والنظم المعمول بها في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وتشبثا بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات المصادق عليها من الجمهورية الإسلامية الموريتانية، واستلهاما من تجربة دشنها القائد محمد ولد عبد العزيز في مسيرة نضالية، جسدها بالمواقف والانجازات والأفكار الثاقبة، في عشرية النماء والتقدم، فإننا في جبهة التغيير الديمقراطي: 
 نرى أن حجم التحديات التي تواجهنا، والتي فرضها الواقع المزري للبلد منذ نهاية 2019 وحتى الآن، سواء تجلى ذلك في أداء النخبة الفاسدة، أو في أداء النظامين،  التشريعي والتنفيذي، وعدم الفصل بينهما، أوفي إدماج منظومتنا القضائية في ورطة التحيز والاصطفاف مع الجهاز التنفيذي، مما جعل الدعوة لإصلاحها والنأيَ بها عن النزاعات السياسية ضرورة حتمية لا بديل عنها. 
كل ذلك أوقع البلد في فشل ذريع، تتفنن زمر نخبه الفاسدة يوما بعد يوم في  استحداث الأدوات الكفيلة بترسيم هذا الفشل، بإمعان موغل في تدمير المنجزات الإنمائية،  والمكتسبات الديمقراطية التي حققها البلد، وبأداء محبط يعيد البلد إلى نقطة الانطلاق وفترة العهود الاستثنائية ونشأة الدولة، بإعادة صياغة الحزب الواحد عبر فكرة "المرجعية" ومآلاتها الكيدية، التي تشل وتعطل الفعل الديمقراطي، وتئِد كل منابع الانعتاق الجماهيري المتحرر.  وبالفعل، فإن سيطرة المتنفذين من طغمة فاسدة وأدواتها، والتحكم في مصير هذه الجماهير الشعبية ومصادرة خياراتها، سواء بممارسة الضغوط أوبشراء الذمم أوالتحكم في نتائج الانتخابات بالغش والتزوير، واستخدام المال الفاسد من نفس الطبقة الفاسدة، وما نتج - وينتج - عن هذه المظاهر السيئة من انهيار في القيم والأخلاق المجتمعية، ومن فشل متنام في منظومة مؤسساتنا الحيوية، كالأمن والتعليم والصحة والتنمية:
 كل ذلك يفرض علينا - وبشكل ملح وضروري - موقفا معارضا، رافضا لهذه المسلكيات السلبية، وهذا الطريق المسدود السائر في هذا النفق المظلم، لكنها معارضة إيجابية وهادفة، تتجاوز الذات والأنانية، وتستخلص العبر من رحلتنا السياسية، وتقدم    مقاربة عملية، تلبي الرغبة التي تحدونا جميعا، في وضع أسسِ ومقوماتِ مشروع وطني جاد وطموح.
مشروعٍ يستجيب لطموحاتنا  في استشراف رؤية تقدمية، قوامها التشارك والتعاون والجدية، لإقامة نهضةٍ تنموية شاملة ومعاصرة، ومشيدةٍ على أرض تتحملنا صلابتُها، وتسَعنا رحابتُها، وصولا لبناء وطني، وبسبل وغايات تتكافأ شرفا وكرامة مع أهدافها السامية.
 ولن يكون ذلك ممكنا إلاّ بفعل التغيير العقلاني الجاد، والذي يتجاوز استبدال الأشخاص والجماعات  بأمثالهم، واستبدال الطبقات السياسية بنفس أنماطها النوعية، بل إنه التغيير الذي يعني إعادة بناء مجتمعٍ قويّ، متصالحٍ ومتحدٍ اتحادَ الجسد الواحد، ومبنيٍّ على القيم الإسلامية الجامعة لكل مكوناته، ومعتمدٍ على  نظام ديمقراطي لإرساء دولة المواطنة.
نظامٍ ديمقراطي ومنفتحٍ على محيطه الإقليمي والدولي بوعي كامل لدوره المحوري في الدوائر الثلاث: الإسلامية والعربية والافريقية، ومثالا فى حسن الجوار وإشاعة التسامح وتقديم المقاربات الأمنية الكفيلة بإرساء الأمن والأمان في المنطقة وشبهها.
مجتمعٍ ديمقراطي  يمتلك الحصانة والمناعة اللازمتين لحماية نفسه، أولا بإقامة منظومة أمنية جاهزة وقادرة على حمايته والدفاع عنه، وثانيا بالوقوف في وجه  موجات الغلو والتطرف وما يغذيهما من عنصرية وطائفية وقبلية.
نظامٍ ديمقراطي يضع في الاعتبار تنوعَ مجتمعه الثقافيَّ والحضاريَّ، ويسهر على خلق الجو والمناخ الكفيلين بتوطيد الوحدة الوطنية.
 نظامٍ ديمقراطي يعمل بعزم وصرامة على إذابة الفوارق الاجتماعية، بإرساء حرية سياسية، تضمن للمواطن حق التعبير، وللشعب حق الاختيار، وللدولة حق التناوب السلمي السلس، المحصن والمحمي دستوريا. وبكل تأكيد، لن تكون هذه الحرية ألسياسية كافية، إلا بإرساء عدالة اجتماعية شاملة، بتوزيع الثروة الوطنية توزيعا عادلا وشاملا، يقضي على الاحتكار والزبونية وفق منهج شريعتنا الإسلامية، وضمن رؤية إقتصادية عصرية، تأخذ في الاعتبار تعددَ موارد بلدنا وتنوعَها وثراءها، ومؤكدا على ضرورة اعتماد التنمية المستدامة، والاستفادة من الطاقات المتجددة. إن الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، عاملان متكاملان، لازمان وضروريان لوحدة وطنية سليمة ومتينة، تجسيدا لروح الدولة القادرة على أن تكون مظلة للجميع، كبديل حتمي وضروري للقبلية والجهوية والشرائحية، وصولا لمجتمع، ينعم بخيرات وموارد وطنه، ويعيش المواطنة قولا وفعلا، ويرفض التخلف حتميةً والفقر إرثا، استكمالا واستطرادا للمشروع التنموي الرائد الذي دشنه الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كتجربة ذاتية خضعت للممارسة والتطبيق، ومنفتح في الوقت نفسه على تجارب الأمم الأخرى، لصياغة النموذج الأفضل الذي يقوم على الأصالة المستنيرة والمعاصرة الواعية، لخلق المواطن المؤمن بالوطن وقدسيته، في البيت والشارع والمؤسسة، وببساطة، في تفاصيل حياته دنيويا وأخرويا.

(وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
والله ولي التوفيق