بنشاب : حكم وقت صلاة الجمعة، هو حكم صلاة الظهر تماما، ولكل صلاة وقت اختيار ووقت ضرورة.
والصلاة لا تؤخر عن وقتها، قال عز وجل: (إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا)، أي مفروضة في وقت معين ومحدد بقدرما حدده الشارع وضبطه.
يقول الأخضري: (ومن أخر الصلاة حتى يخرج وقتها، فعليه ذنب عظيم، لا أن يكون ناسيا أو نائما).
فما عليه جمهور العلماء، أن تأخير الصلاة عن وقتها، منكر وحرام، بل ذهب بعضهم أن فاعله يكفر بذلك، لأنه أخرجها عن وقتها الشرعي بغير عذر شرعي كالنوم والنسيان، وبوبوا على من لا يجحد وجوبها بكفر غير الكفر الأكبر، مستأنسين بأحاديث كثيرة في هذا السياق، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(العهد الذي بيننا الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، والحديثان في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد والسنن الأربع.
وقد رتبت الأعمال الأحب إلى الله بأولها الصلاة في وقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة - كما في حديث عائشة - قام إليها، كأنا لا نعرفه ولا يعرفنا ...
وتأخير الصلاة يطلق على معنيين: الأول تأخيرها حتى يخرج وقتها، أي فوات وقت الصلاة، والثاني، تأخيرها إلى آخر وقتها، أي آخر الضروري، وتلك حالة جائزة لأن وقتها بين مختار وضروري، لكن لو تعلق الأمر بتضييع الصلاة جماعة، كان ذلك حراما على غير أصحاب الأعذار الشرعية كما في شرح زروق على رسالة ابن أبي زيد.
قد يدخل الأمر في خلاف الأولى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أول الوقت رضوان الله، ووسط الوقت رحمة الله، وآخر الوقت عفو الله) وإن كان حديثا ضعيفا بسنده عند الدارقطني، أو سنده عند الترمذي برواية أخرى، لكن من المؤكد أن الجماعة لم تؤخر الصلاة استئناسا بالحديث، فقد كان التأخير بغية حضور السلطان، الذي كان أولى به أن يؤخر التدشين لحضور الصلاة إلا أن يكون نائما فتلك حالة منصوصة، ثم إن الصلاة لم تعد مترتبة على الرؤساء والأمراء في العهد الحديث، ولا تنتظر منهم الإمامة، وليسوا شرطا في صحتها.
ولأن صلاة الجمعة ينطبق عليها ما ينطبق على صلاة الظهر، جاز تأخيرها للضروري، انتظارا للسلطان أو الجماعة أو لغذر شرعي، لكن إن أدركها العصر صلوها أربعا على المشهور وفاقا للشافعي، أما ما ذكره بعض مشايخنا، من كونها تصلى بعد العصر، انتظارا لأمير المؤمنين ففيه نظر وتردد، بل فيه موقف سياسي لا يخفى ...
لكن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس عن وسط السماء، ولم يرد أثر بخلاف ذلك كما في فتح الباري لابن رجب.
لكن الإشكال، يصاغ من طريق أخرى، يتعلق بالخطبة: فهل أعيدت بحكم الانفكاك عن الصلاة أم لا؟
وأهل العلم يختلفون في كون خطبة الجمعة واجبة أم لا على قولين: قول يعتبرها شرط صحة في صلاة الجمعة، وبهذا القول قال الأئمة الأربعة.
وقول لم يعتبرها شرط صحة في صلاة الجمعة، فالصلاة دونها صحيحة.
ومهما يكن، ففي الأمر متسع إن كان لضرورة غير الحضور البروتوكولي غير اللازم، أحرى أن يكون لمسافر، فإن دخل العصر دخولا محققا صلاها أربعا خلافا لما ذكر الشيخ في عموم المذهب المالكي، وهو في ذلك يميل لفتوى السيد القرضاوي في فقه الضرورات، وقد لا ينطبق على حال تيشيت.
وخلاصة رأي المذهب المالكي، لا تؤخذ من الفروع، بل من الأصول وما به العمل، وهو أن تصلى أربعا بعد خروج الوقت المختار للظهر، فقياس الجمعة على الظهر فيه تردد لكونها صلاة عيد يستحب لها الإبكار أول الوقت كالساعة السادسة (بدء من الشروق مثلا) وما قبلها.
وللتذكير، فإن سحنون أنكر قول من قال إن وقتها ما لم تصفر الشمس، ونفى القول به كما في " التبصرة" للخمي، (الجزء2، باب في وقت الجمعة)، كما كان ابن ماجشون، يرى أن وقتها ما بين الظهر والعصر، فإن دخل عليها العصر صلوها أربعا، كما في شرح خليل للخرشي (الجزء5، صفحة 146).