موريتانيا والديون /محمد الأمين لحويج

أحد, 23/02/2025 - 15:46

بنشاب : تواجه موريتانيا تحديات اقتصادية كبيرة في الوقت الحالي، حيث أصبحت البلاد تعاني من ضغوطات مالية خانقة. ويعزو البعض السبب في ذلك إلى الفساد المستشري في مختلف القطاعات. لكن، ما هو الفساد؟

بالنسبة لي، الفساد ليس مجرد السرقة أو الرشوة. الفساد الحقيقي هو سوء التدبير والتسيير، حيث يتم استثمار الموارد المالية بشكل غير مجدي. صحيح أن السرقة أو الرشوة يمكن أن يكون لهما بعض الفوائد بالنسبة للأفراد المتورطين، مثل تحويل الأموال إلى مجموعة أو شخص معين داخل البلد، ولكن الفساد الأخطر هو عندما يتم تبديد الأموال العامة في مشاريع لا تعود بالنفع على المجتمع. وفي هذه الحالة، نكون أمام فساد يؤدي إلى ضياع المال دون أن يحقق أي فائدة، وهو أخطر بكثير من مجرد اختلاس الأموال.

في هذا السياق، يمكننا الحديث عن بعض المشاريع التي كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد الموريتاني، مثل مشروع "تآزر" الذي يهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين. بعد زيارة قادتني إلى بعض المناطق الداخلية، يمكنني القول بكل يقين إن موريتانيا لم تشهد ضرراً أكبر من هذين المشروعين: الأول سياسي بامتياز وهو مشروع البلديات، والثاني هو "تآزر" الذي مر بعدة مراحل من الدمج إلى التضامن ثم إلى تآزر.

مشروع البلديات كان له تأثير سلبي على المجتمع، حيث قسم المجتمع وأدى إلى تعزيز التنافس غير البناء بين فئات مختلفة. كما شجع على انتشار السكن العشوائي في جميع أنحاء الداخل، ما أسهم في إضعاف الروابط الاجتماعية والتفاهم بين مختلف المجموعات. كل مجموعة أصبحت تسعى لتوفير خدمات معينة في منطقتها، مثل المدارس والمستشفيات، وهذا تسبب في زيادة التكاليف وخلق مشاكل تتعلق بتوزيع الموارد.

أما فيما يتعلق بالمشاريع الاجتماعية، فقد أدى التنافس بين المجموعات إلى زيادة التكاليف، حيث كانت كل مجموعة ترفض التعاون مع غيرها، حتى عندما يتعلق الأمر بمشاريع أساسية مثل المدارس أو المستشفيات. هذا الوضع خلق تشرذماً في المجتمع وزاد من عبء المشاريع التنموية.

إذا نظرنا إلى مشاريع أخرى تتعلق بتزويد السكان بالخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء، نجد أن هذه المشاريع لم تساهم بشكل كبير في تحسين مستوى دخل السكان. فالمواطن الذي يحصل على الماء والكهرباء يجد نفسه في مواجهة فواتير يتوجب عليه دفعها، دون أن يشهد زيادة في دخله. كان من الأجدر أن تُرافق هذه المشاريع بإجراءات تهدف إلى تحسين سبل العيش ودعم الاقتصاد المحلي، كي تكون هذه الخدمات حقاً مُفيدة للمواطنين.

موريتانيا بلد فقير ذو مساحة شاسعة، وهذه المساحة الواسعة تجعل من الصعب تغطية كافة المناطق بمشاريع تنموية بشكل فعّال. لذلك، من المهم أن تكون هناك أهداف واضحة، ورؤية استراتيجية تنموية تهدف إلى تحسين دخل السكان قبل تنفيذ أي مشروع.

- من الضروري أن تكون السياسة التنموية واضحة ومحددة الأهداف، مع التركيز على تطوير مشاريع تُعزز الاقتصاد المحلي وتُحسن دخل الأفراد.
- يجب استثمار الموارد المتاحة بشكل ذكي وفعّال بدلاً من تبديدها في مشاريع لا تعود بالفائدة.
- عليه وجب النظر في تطوير فكرة "الشور التقليدي" "انْترِشْ" وقصته المشهورة حيث إن الفنان الذي عزفه كان مدانًا وعزفه لأمير وقضى عنه الدين. يجب ربما إسقاط القصة على الأوروبيين في إطار محاربة الهجرة، والمؤسسات الدولية، وذلك بهدف تعزيز التنسيق بين المصالح المختلفة لتجاوز الأزمة الاقتصادية وتقليل الدين العام أو قضائه.

في الختام، يبقى أن نعي أن الدين العام لا يمكن القضاء عليه بشكل سريع دون إصلاحات حقيقية في كيفية إدارة الموارد، وأن التحديات التي تواجه موريتانيا تحتاج إلى سياسات تنموية مستدامة وواضحة تتماشى مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

محمد الامين  لحويج