بنشاب: لا يمكنكم إحتكار الوطن مدى الحياة، فقد بقي البلد منذ استقلاله إما في قبضتكم أ و في حيازة أقرانكم، و بقيت الأجيال تنمو كحشائش متطفلة على ضفاف سيطرتكم، وكلما نضجت موهبة أو كفاءة قمتم بنتفها و تنحيتها فإما أن تهاجر إلى المنفى أو تنتحر في القطاع الخاص أو تبقى حبيسة مشتلة البؤس في قطاع تخصصها مدفونة حتى التقاعد، تعد لكم التقارير و تترقون في المناصب بفضل استغلالها…
أيها الشباب مهما كان تموقعكم في الموالاة أو في المعارضة أوعلى تلة الحياد عليكم رص الصفوف لفرض الآراء و إسماع كلمتكم.
تقدموا و واجهوا مصيركم و خذوا زمام المبادرة و
اقتحموا قاطرة القيادة سواء في الموالاة أو في المعارضة..
أما الذين كتبوا عن خطاب فخامة الرئيس فهم نخبة ونماذج في الثقافة و السياسة والريادة تلك الحقيقة التي لا نختلف عليها، و لا نريد تبديلها و مالنا سبيل إلى طمسها، فهم آباؤنا و أساتذتنا و رموز وطننا نحبهم ونحترمهم و لن نتعرض لهم بسوء، ولا ينبغي لنا ذلك و لا يستحقونه منا و لا من الوطن.
والواقع أن واجبنا في هذه المرحلة من أعمارنا وأعمارهم هو أن نكون لهم العكاز القوي، و الساعد المشتد، الذي يحيط بهم ويحميهم من المخاطر بما فيها عدم تقبلهم لضرورة الاكتفاء من تصدر الشأن العام و إفساح الفرصة لأولادهم _ممن يستحقون_ لمواصلة مشوار التأسيس الذي بدأ بهم و لم يعد في مقدورهم إكماله..
ايها الشباب إن ولد الغزواني وولد عبد العزيز و من يحيطون بهم من الشيوخ المبجلين أصبحوا أقلية في هذا المجتمع الذي يمثل الشباب أغلبيته الساحقة، و آن الأوان لأن تنتفضوا و تعملوا لوطنكم، ولنا في المرحوم المختار ولد داداه ومن كانوا معه ممن خاضوا معارك التأسيس قدوة و مثال، فما حققوا للبلد من إنجازات قدموه وهم في ريعان شبابهم، لذا فجر حماسهم جبال الصعاب و ذللت إرادتهم كل المستحيلات.
لكن أتى من بعدهم خلفٌ طمسوا فئة الشباب و حرموها حقها و قتلوا الأمل في مقلها و ظلوا جاثمين على كراسيهم يرفضون التنازل عنها للتفرغ لبحوثهم أو لعباداتهم و لا حتى لكتابة مذكراتهم..
لذلك نجد القلائل فقط من شيوخنا المبجلين تركوا مذكراتهم و أثروا لنا الأرشيف بتجاربهم و خبراتهم، أما البقية فتعيش بروح الثلاثيني في جسم التسعيني تتنقل بين المناصب و المنابر فتقفز بتلك المظلة على محطة مهمة تفصل بين الكرسي الرسمي و النعش الأبدي!
إن الذين يحكموننا اليوم ويسيرون البلد بعقليات وأفكار رجعية و متجاوزة، ليسوا خونة و لا يتعمدون _ بالضرورة_ تدمير الوطن ومكتسباته لكنهم قدموا ما في جعبتهم من رؤى وأفكار وأصبح عدم تجاوب مراكز التفكير في أدمغتهم مع تسارع وتيرة العولمة عثرة كارثية، كما أثرت صروف الدهر على الكثير من قدراتهم الإبداعية والابتكارية، هذا بالاضافة إلى القطيعة الاجتماعية التي حالت بينهم و معرفة متطلبات فئة عمرية تحولت إلى شعب بكامله، يريد قيادة تستجيب لتطلعاته و تلبي متطلباته وتخدمه بعقليات ومفاهيم عصره! الشعب الموريتاني اليوم شعب شاب متطلع و متحمس يرفض أن تبقى قاطرة قيادته سجينة سنوات السبعينات و الستينيات من القرن الأخير في الألفية الأولى، بينما يعيش في عشرينيات الألفية الثانية!
هؤلاء المخضرمون بين الأزمنة و عشرات الأجيال، حق لهم اعتبار حرية التعبير إساءة و مخالفة الرأي سوء أدب و استغراب تمكن من هو في عمر أحفادهم من لغة أو فكر أو طرح، ذلك أنهم _ مع كامل الاحترام لهم_ لا يستوعبون حقيقة تقدمهم في السن لذلك نتقبل عدم تفهمهم لواقع تقدمنا في العمر و وتزودنا من معارف كثيرة في وقت قصير، لأن ما كان يشبه المعجزة في زمنهم هو مجرد تنوع للوسائل التقنية المتاحة لنا في عصرنا و سهولة في الولوج إلى المعلومات المتراكمة أمامنا و تعدد للمراجع المتدفقة إلينا من كل الثقافات و قدرتنا على تشرب آلاف الأفكار و التقنيات والتجارب المختزلة في أيام قليلة من التصفح و مطالعة آخر الدراسات و استخلاص العبر من التجارب البشرية المتراكمة خلف الشاشات والأزرار ..
لذلك دعوهم يكتبون عن اقتناعهم بخطابات الرئيس فذلك تقارب متبادل للأفكار و الطرح وطريقة التسيير، فهو بدوره يقربهم و يعيد تعيينهم و يستعين بهم و بأترابهم في محاولته تنفيذ برنامجه الانتخابي، لأنه لا يثق في فئة الشباب و لا يؤمن بقدراتها، فكتاباتهم خرجت من نفس مشكاة تسيير الرئيس وطريقة طرحه، ما جعل الشعب "الشبابي" في واد و الرئيس وحكومته و المعجبين به من كتاب و سياسيين في واد آخر، السبب هو فارق السن فهؤلاء قوم يقتحمون زمننا بوسائل وأفكار أزمنتهم الغابرة، لذلك يدخلون وسائل التواصل الاجتماعي بشعارات و مشاريع نفذت في أواسط القرون الماضية و يريدون منا الاشادة بها وتثمينها و الكتابة عن نجاعتها، و هذا يشبه كثيرا محاولة أصحاب الكهف شراء طعامهم بورقهم الذي كان في جيوبهم و التخفي بثيابهم التي دخلوا الكهف بها قبل ثلاث مائة سنين وازدادوا مأمورية!