بعد سنتين من حكم الرئيس التشيلي اوغيستو ابينوشييه، قرر الرجل في صحوة دينية زيارة الفاتيكان،فمنها زيارة لتجديد البيعة لسادة ايطاليا والسعي لفك ارتباطهم الذهني بسلفه سالفادور ايليندي،ولتقديم بعض الأدلة على ان اوغيستو هو الداعي للبيعة أصلا،قبل السفر بيومين أبرقت الخارجية اتشيلية للحكومة الايطالية بأن "الوزير الأول الموجود حاليا في الفاتيكان لايمثل الدولة، وانما جاء متعبدا ولاضرورة لاكرامه..الرجاء ادخار الاكرام للزعيم"...رافق الرجلَ في سفرته أشخاص فيهم الصالحون ومنهم دون ذلك، وأغلبهم لم يدخلوا كنيسة من قبل، وليسوا مهتمين بالممارسة الدينية أساسا،أو على الأقل في المعروف عنهم،استقبلوه في روما كما يستقبلون عادة رؤساء الدول الذين يأخذون الأموال لأنفسهم وليس بشعوبهم،فمع هؤلاء لاتكلف ولامجاملة وانما ملايين الليرات في حقيبة تقدم للرئيس رأسا مع ارسال حقائب ببعض المنتجات الايطاليه للترويج كتلك التي ترسلها فيليب موريس مع مارلبورو للتوزيع المجاني،وينتهي بها الحال معروضة للبيع..لوتشيا زوجة ابينوشييه بدت محرجة قليلا،فالتشيليون من أقارب زوجها يعيشون في الفاتيكان، وحتى في نابولي، ولابد من جلب الكثير من الهدايا من سانتياغو على عادات التشيليات مع أصهارهن،لذا غادرت الطائرة سنتياغو بكل ماصنعه صناع لابينتانا المساكين خلال العشرية الماضية،تريد السيدة الأولى (كمايسميها كتاب القصر) أن تقضي يومها في التبضع،وقد بادرت بالتواصل مع قريبات لها لتسهيل المهمة،فلابد من شراء كمية كبيرة من الأحذية والعطور الايطالية والفساتين،لكن أيضا لابد من انتظار آخر يوم من الزيارة لمعرفة طبيعة الهدايا التي سيقدمونها لها في روما.
في غضون ذلك كان موكب ابينوشييه يجوب شوارع الفاتيكان والرجل يظهر السكينة والموعظة أمام الجماهير،وفعلا كان بينوشييه مؤمنا منذ صغره، اذ تربى عند الكاردينال مورو وتعلم منه قصص الحواريين والصلب الى آخره، ومنه تعلم الأخلاق التي يقول إنه يحكم بها والتي رفعها كشعار وكذبتها الأيام فالأخلاق التي لاترحم الفقراء والبؤساء هي أخلاق لا أخلاق لها.دموع ابينوشييه تسيل ثم يمتد بصره ليصطدم بأحد أعضاء وفده فيتذكر بأن تقربه للرب لن يتم مادام الشياطين يحفونه..وضع خبزة نتنة في فمه وعاد الى الفندق وهناك وجد لوتشيا شاردة
-ماذا يقلقك حبيبتي ونحن في قمة تقربنا من الرب؟
- لا لا شيئ،فقط لم أتمكن من التبضع لأنني لم أعرف طبيعة هداياهم لي،فتبعا لها سأقرر..أريد شراء أثواب لعشرين سنة قادمة.
يضحك أوغيستو: يبدو انك لاتعرفين بأن الموضة تتجدد،فمثلا حِلق الساق الذهبية ارتقت للسرة والوشم في الخد أصبح موغلا في العمق.
-من أخبرك بكل هذا؟
-هههه ثقافة عامة
-انه نينو الغلام
-احترمي أصدقائي
بعد أسبوع وجد قائد الرحلة مشكلة حقيقية،فلوتشيا اشترت الأطنان من الأقمشة وطلبت من مضيفتها زوجة الرئيس منحها حقائب من جلود الكانغارو والتماسيح وصالونات وأشياء كثيرة من بينها مقعد انكليزي مذهب ومقبض غرفة نوم يخبر بمن لمسه..الطائرة لن تتحرك بهذا الوزن.
اوغيستو يهز سبحته ويضغط بفخذيه على حقيبة خرج بها من عند الرئيس وقال بأن فيها وثائق سرية ولايجب ان يقرأها أحد.
رفعوا القضية اليه في مقصورته فنظر خلفه وقال:انزلوا أعضاء الوفد والمضيفات وليلحقوا بنا في أول رحلة..سر الأعضاء بذلك فلكل منهم وزير أو رجل أعمال في روما سيسأله الحافا حتى يتحصل منه على"لفروح" وربما يدخل مع البعض في شراكة وهمية المنتهى.
طارت التشيلية في سماء الفاتيكان واستلقى اوغيستو على قفاه والحقيبة تحته:
لوتشيا اطفئي الأنوار فمازلت اعيش الروحانيات وأستمتع باستعادة لحظات الزيارة المباركة
-ماذا في حقيبتك؟
- هل تتوقغين مني اخبارك بأسرار الدولة؟
-الغريب هو كون نينو سيبثها في الغد وستصلني عبر رودريكيز..تصبح على خير.
هبطت الطائرة في سانتياغو النائمة في ظلامها وحرها وانقطاع كهربائها المتتالي.
مر الموكب الى لابروفيدانثيا،كان الرئيس شاردا يفكر ويضغط على الحقيبة..ويتساءل:ترى من يمكنني الاعتماد عليه للاحتفاظ بملايين الدولارات هذه،وهل أضمن أن يحتفظ لي بها حتى أخرج من القصر !!
لا أحد،فلن أثق في أي كان، وجنرالات الورق سيخرجونها من تحت التراب لمقايضتي بها اذا ما أردت العودة لازعاجهم..آه تذكرت فأقاربي في الفاتيكان ويعملون في تحويل الأموال وهم خير من يؤتمن على هذا الأمر لأنهم قرويون وطيبون، فسلفادور كان غبيا كا انه لجأ الى أقاربه هنا في سانتياغو ولو استشارني لأخفى نقوده عند أبناء عمومته في بوليفيا..ما أغباني! نسيت ان علاقته ببوليفيا كانت سيئة جدا بالرغم من ان زوجته بوليفية الجنسية والتكوين.
كانت زيارة ناجحة ومن ماله الخاص طبعا فاوغيستو لاينهب ولايسرق حاشاه..هكذا نشر الخبر.
بعد اجتماع أول مجلس للوزراء عين اوغيستو أبناء ساسة قبائل لم يتخرجوا لأنهم أصلا لم يدخلوا المدارس، ومنح صفقة اصلاح الكهرباء للمرابي الشهير بنيتو والماء لأرتورو فهما شريكان لصهره وطبعا لن يصلحا الكهرباء وسيموت الناس عطشا، عاث ابينوشييه فسادا بعد عودته وكأنه لم يقطع على نفسه وعودا قبل يومين في الفاتيكان بأن يتوب ويصلح حال البلاد والفقراء البائسين..لم يفعل لأنه كان فقط في زيارة لجلب نقود لايدرك كيف ستتحول الى نواة أولى لمساءلته بعد تسلم بربوزا وأقاربه لحكم اتشيلي ،هذا طبعا بعد أعوام مالم يقرر جنرال قبل ذلك فرض نفسه وزوجته وأقاربه كساسة للتشيلي.
وفي النهاية ستظل ابروفيدانثيا أرضا لاتلد الا الساسة وتظل لابيانتانا أرضا تلد كل يوم بائسا عاجزا مع الف شهادة سيتحصل عليها وقدرات خارقة، لكن خطأه الوحيد هو مكان مولده..يستثنى من هذا من دخل من أبناء لابينتانا الكلية الحربية في سانتياغو فهناك قد يتحول الى رئيس لأنه قد يخرج من صندوق الاقتراع الحقيقي ذاك،وهو الصندوق الذي لايمكن الاعتراض على مفرزاته.