بنشاب: سبتمبر أو اكتوبر من عام ألفين (لاأتذكر) كان شهر اعتقالات في صفوف الرفاق من "ضمير ومقاومة"..أذكر اننا اختطفنا من الحي "آر" في سيارات مدنية قبيل الافطار، وتم تعصيب عيني كل واحد منا، وبعد لف المركبات مرات بغرض التضليل سيق الجميع الى جهة مجهولة.. تم رمينا في بيت مغبر لافراش فيه، تعود ملكيته لأحد مفسدي البلد كما أخبرنا لاحقا،ويبدو أنه مؤجر من قبل أمن الدولة، بعد ساعات شرعنا في تكسير زجاج النوافذ وعلا صراخنا لنشعر الجيران:
اضرابنا حق لنا ونحن فيه صائبون
اما اعتصام هاهنا او اعتصام في السجون(لم نكن مضربين حينها عن الطعام لكننا أضربنا بعد أيام)..ويبدو أن للبيت طابقا آخر..تم توزيعنا على الغرف كاجراء تكميمي، فوجدت نفسي في غرفة بلاطها بارد تناثرت عليه بعض الأغراض وأعقاب السجائر، ربما هي أشياء تركها نزلاء سبقونا الى "النزل الاسباني"، غرفتي -والاضافة تقع بأدنى سبب- تطل على عريش لأحد عسس حي الطبقة الحاكمة..ورغم أننا في شهر رمضان الا أن شهابا من الشمس أيقظني..فزعت أول الأمر فجسدي مغبر وأنفي يرشح وحمى خفيفة تسرق من قوتي،وقفت واقتربت من النافذة،لم أتناول طعاما منذ الأمس ولم أكلم أحدا وحلقي ناشف كأنني بت أسف من الدقيق..في فناء بيت العسس حركة وأطفال يمرحون ويشربون الياوورت ويقضمون بعض المقرمشات، بدا طعامهم نشازا في المشهد، تماما كما هو حال بعض عجلات الدراجات والثلاجة وممتلكات أخرى استلموها ك"يد ثانية" من ملاكها الأصليين.
رجل في الأربعين من عمره يفرك عينيه و يتقدم متثاقلا نحو معزاة ضرعها منتفخ كمظلة منطاد،يحلبها في صحن معدني وترتفع الرغوة ومتى زادت علوا نضرت رغابي بالشرب منها رغم الصيام النظري..هسهست له: "است است" "هيه طيني نشرب"
رفع عينيه باتجاهي..أعدت الطلب:
أتضور جوعا فصب لي من حليبك.
لم يهتم وواصل هصر الضرع ثم أطلق المعزاة وعاد متثاقلا الى عريشه وخرج يحمل اناء آخر ليحلب معزاته الثانية..كررت الطلب،وهذه المرة وقف قائلا: أغلق النافذة عليك أو أخبر الجماعة فورا..بسرعة نفذت نصيحته المعززة بالشر والوعيد، وعدت للبلاط المغبر ثم وضعت رأسي بين ركبتي ودفنت حزني في ظلام صنعته..لعنته طبعا ومازلت ألعنه: أيها اللعين،هل مازلت حيا؟
على كل،لاتكترث فقد سامحتك على لؤمك وتملقك وأرجو أن يكون أولادك قد سلكوا دروبا ليس فيها مجاورة الظالمين ولاتملقهم من أجل البقاء.
* من يعرف مكان ذلك البيت من الرفاق فليخبرني لعل زيارة له تبعث بعض الأحداث من مرقدها.