لو لم يقل سواها لكفاه ذلك....

اثنين, 19/04/2021 - 14:10

بنشاب: مقال كتبته اٍبان تسليم الرئيس السابق السلطة للرئيس الحالي ، واليوم اعيد نشره ، يبدو أنه مازال يصلح للقراءة... 

خلال الاحتفاء بعيد الاستقلال الوطني في مدينة النعمة شرقي البلاد  وبعد استعراض عسكري مطمئن على حالة القوات المسلحة  ، فكان السبق الصحفي محفزا لأبادر إلى طرح السؤال على الرئيس محمد ولد عبد العزيز حول نيته فتح المأموريات ، حيث تروج الكثير من الشائعات  ، وبينما أفكر في صياغة السؤال ليكون مقبولا ومختصرا كي تكون اجابته مختصرة أيضا و قبل أن يعتلي الرئيس السيارة التي ستقله ،  فإذا بزيدان يطالب الرئيس عزيز بالبقاء في الحكم بصوت عال يسمعه الجميع ، كانت العتبة التي اعتليتها قائلا وبصوت جهوري ، (سيدي الرئيس هل ستلبون طلب هؤلاء ...)
نظر إلي ثم عاد أدراجه واقترب مني بسرعة وقال : " لا بقاء إلا لله " ثم اعتلى سيارته ، من حينها عرفت أن الرئيس لا ينوي البقاء في السلطة مطلقا ، رغم المبادرات الجهوية التي انطلقت بعد ذلك في قصر المؤتمرات  ، وتأكدت أن ترك الحبل على القارب لأهلها ، إنما مرده انشغال أصحاب القرار في ترتيب كيفية انتقال السلطة بشكل سلس ، ولن تضيرهم تلك المطالبات في شيء ، بل يمكن توظيفها ، بعد رفض الرئيس لها ، وهذا ما حصل بالضبط ، تخميناتي هذه التي أصبحت فيما بعد حقيقة ماثلة  ، لم يكن منبعها التصريح المقتضب والخاطف للرئيس في مطار النعمة فحسب ، إنما طيلة مراقبتي ومتابعتي لشخص وتصرفات وتصريحات وطبيعة تفكير الرجل ، كانت تدل على أنه يريد تحقيق هدف سام في حياته بغض النظر عن النجاحات والاخفاقات .
ففي بداية حكمه التي كنت أمقتها بسبب الانقلاب على رئيس 
مدني منتخب لسبب غير مقنع ، جعلني دخوله إلى (الحي الساكن ) في يوم مغبر وتعهده بتقسيم قطعه الارضية على ساكنته ، جعلني ابدأ في تغيير رأيي نحوه رويدا رويدا ، لكن بتحفظ شديد ، وفي خضم معركة تخطيط الحي وحين أعترضت طريقه جدران منيعة تحيط بقطع ارضية قيل إنها لنافذين ، أعطى أوامر فورية بمصادرتها وتحطيمها بشكل فعلي وتقسيمها على ساكنة الحي ، الذين ذاق بعضهم الأمرين عندما تم منحه قطع ارضية في منطقة (لغريگه ) بعد أن اغرقتهم مياه الامطار ، لم يكن الحي الساكن سوى نموذجا ، لعملية أعم ستطال جميع أحياء الصفيح في العاصمة والمدن الداخلية للبلاد ، بعد أن كانت طيلة عقود من الزمن ،مجرد أحياء يتم تصويرها لاستضرار عطف المنظمات الخيرية ، لتدخل جيوب من لا يستحق غير السجن الابدي ، لم البث بعد ذلك حتى اعلن عن الحصول على تمويل مشروع آفطوط الساحلي الذي بقي طي النسيان منذ الاستقلال ، ثم انفلتت المشاريع الوطنية الكبرى من عقالها ، وبدأت واجهة الكثير من المباني الادارية تأخذ شكلا جديدا ،( البلديات ، المحاكم ، مفوضيات الشرطة ... إلخ) ما نم عن نية حقيقية لتحقيق حلم الدولة الذي اندثر أو يكاد ، فأقدم المقدام على تحويل مطار انواكشوط إلى المكان المناسب وبني بالمواصفات المطلوبة ، ولم يكلف الدولة قرشا واحدا ، فكانت الإشارة قوية إلى أن سقف الطموح يتجاوز ماهو داخلي إلى التعاطي مع الخارج ، وبدات عجلة تنمية المجال الدبلوماسي تدور بسرعة البرق ، فترأست موريتانيا الاتحاد الافرقي والجامعة العربية وأنشات مجموعة دول الخمس في الساحل ، قبل أن تترجم ذلك الحراك إلى قمم إحتضنتها نواكشوط بكل كبرياء ،  تعزيز الثقة بالرئيس عزيز كان قرار قطع العلاقات مع اسرائيل احد أهم روافدها ، بينما كان رفضه لحضور وفد المعارضة السورية  للقمة العربية في نواكشوط ورفع العلم الصحراوي جنبا إلى جنب مع العلم المغربي في شوارع نواكشوط ، مؤشرا على أن الرجل صاحب مبادئ لا يتزحزح عنها مهما كان الثمن ، إيماني بأن محمد ولد عبد العزيز يحلم بوطن عزيز ، ترسخ عندما أعلن عن تعديلات دستورية ، لتغيير العلم و إجراءات لتغيير النشيد واستحداث مجالس جهوية بدل مجلس للشيوخ ، في تلك اللحظة لم أخجل من إظهار دعمي لتلك الخطوة ولم ولن أندم عليها ، فبفضلها بات لنا نشيد وطني بما تعنيه الكلمة من معنى وبفضله خلدنا دماء المقاومين الذين ذرفوها من أجل بقائنا أحرار فوق الأرض وتحت الشمس ، لم يتوقف القطار حين اعلن الرئيس عن سك عملة جديدة تحمل نفس الاسم لكن بمواصفات عصرية تتناغم مع متطلبات المرحلة ، لا أحد يمكن أن ينكر انجازات عشريته على جميع الاصعدة ، المستشفيات ومعداتها وتخصصاتها ، الجامعات والمعاهد المهنية ، الطرق المعبدة وفك العزلة عن مدن رئيسية كسيلبابي وازويرات وتجگجه ، ومشروع آفطوط الشرقي الذي ينطلق من سد فم لگليت ، ومشروع اظهر للولايات الشرقية ، وكهربة المدن والقرى وانشاء الموانئ والرفع من مردود الصيد باتفاق عسير مع الشركاء الغربيين ، وتحسين القطاع في مجالات عدة ، لقد شيد مدنا باتت مقصدا للكثيرين والشامي نموذجا ،  لن انسى كلماته حول الفساد حين قال لقد جربنا سياسة العفو عن ماسلف في 2005 ولكننا سنمتلك الجرأة هذه المرة ونحاسب المفسدين ، وبدا على الفور في اعتقال رجال اعمال وسياسيين وانتزع اموال الدولة عنوة ، واعتقاله لمجموعة كبيرة من المحاسبين الماليين لخير دليل على ما اقول ، وانشأ هيأة للتفتيش حقيقية ، يرتجف منها جميع المسؤولين إلى اليوم ، ترسخ مبدأ هيبة الدولة وحرمة المال العام ، وتركز عملها في الغالب مع موظفين غير مشكوك في مولاتهم السياسية ، ومع ذلك تمت محاسبتهم واعادوا اموال الدولة عن يد وهم صاغرون ، اليوم يختم لرئيس الفذ محمد ولد عبد العزيز عشريته مرفوع الرأس عال الهمة ، يهابه الكل ويقدره ، يختم مأموريته بتوظيف ما يقارب ثلاثة آلاف شاب وشابة ، في أكبر عملية توظيف تشهده موريتانيا منذ الاستقلال ، لقد ادى واجبه حتى الدقائق الأخيرة من حكمه وكان نجما وهو يسلم السلطة ، رغم ان النجومية من المفترض ان تكون لصالح الرئيس المنتخب ، لكن العظماء لهم وقع يبهر اين ما حلوا ، فكما امتلك الكاريزما وهو مجرد قائد لكتيبة الامن الرئاسي ، وجعلها نموذجا يحتذى في العسكرية والانضباط ، كان صاحب كريزما فريدة وهو يقود البلاد بأكملها ، وسيقى الرئيس محمد ولد عبد العزيز الشخصية الفذة. والنادرة ، ومن الصعب نسيانه  ، ومهما كتبت لن أحيط بجميع نقاط تقييمه التي أوجزها هو في جملة من كلمته اليوم وهو يسلم السلطة 
(إنني لفخور بتسليم السلطة لرئيس منتخب ديمقراطيا لقيادة موريتانيا الجديدة المختلفة جذريا عن موريتانيا التي تسلمت قيادتها منذ مؤموريتي الأولى ) فلو لم يقل سواها لكفاه ذلك .

أحمدن سيد أحمد