بنشاب الأمل والألم متلازمان، والجهد عنوان المردودية، وقد قيل؛ من جد وجد ومن زرع حصد.
يبدو خطاب رئيس الجمهورية متجهما عبوسا بل مكشرا في وجوه خمسة آلاف شاب حملهم سوء أحوال بلدهم، وعدم الشفافية في التوظيف فيه؛ إلى اللجوء إلى التعاقد في مجال التعليم، وقبل إثارة المشكل أسأل: كيف لبلد فيه ثلاث مدارس للتكوين منذ عقود، وهذه المدارس تخرج الدفعة تلو الأخرى من المعلمين والأساتذة، رغم ذلك ما يزال فيه مكان لإبرام عقد مع خمسة آلاف استاذ ومعلم في ذات الوقت، ويبقى متسع بعد ذلك للمزيد ؟
ليس هذا هو الخلل الوحيد الذي يستلزم التساؤل، لكن قبل أي تساؤل؛ علينا الإجابة عن هذا السؤال المطروح، والذي سيكون للإجابة عليه أثر في التوصل إلى جزء من المشكلة حتما وبالضرورة.
لكن السؤال المطروح الآن وبقوة لا تحتمل التأجيل؛ كيف كان خطابه خاليا من أي تصريح و تلميح يمكن أن يكون بارقة أمل لخمسة آلاف متعاقد ذكرهم عرضيا، دون تخصيص وهم أحق الناس بالتخصيص لما بذلوه من جهد، وبما يستحق وضعهم من الإهتمام.
1 - إذا كان التوظيف من أولويات فخامته لماذا يحرمون، وهم قد قدموا جهدا وبذلوا لوطنهم في وقت كان بأمس الحاجة إليهم، ولم تزل حاجته إليهم إلى اليوم.
2 - إذا كان برنامجه الانتخابي يحمل أملا، للشباب بصفة عامة، الا يكون فيه حظ الشباب المتعلم ولو فضلة لا تهفو إليها نوازع الطبقة الراقية، ولا أبناء أركان الدولة العميقة، وهي الهامش الهش والوحيد المتبقي لمثل هؤلاء من عاثري الحظ.
3 - سؤال آخر يوجه إلى سيادته، حيث كان يجب أن يسأل نفسه عنه وهو يقرأ بلا تعقل خطابا كتبه مراوغ، خبر أروقة الدسائس البلاطية، وهو: يا رئيس الأمل؛ كيف تضاعف علاوة الطبشور لمن لا يستخدمه، وتحرم منها من هو عاكف علي إذابة الأطنان من الطباشير على جدران سوداء، ثم يمسحها بيديه بعد ذلك، ؟ أو ليست نفسه نفسا بشرية تستحق الحماية وتعويض الخطر، وإذا تجاهلنا الحقوق الأخرى التي هي حكر علي الموظف، ثم أليس مقدم الخدمة اليوم على قارعة الطريق، التي تعهدت سيادتكم بألا يترك عليها أحدا.؟
4 - ألا يمكن أن يكون المتعاقد في مجال التعليم مساو للرسمي في التعويض، بحيث تبقى للرسمي مميزات هو بها جدير، كعلاوة التجهيز والتقاعده، ويتساويان في الباقي لتساويهم في الجهود المبذولة أمام الطالب، وبنفس الجهد من البكور إلى التحضير ووو.......؟
وهنا - نرى - إذا كان لا بد في بلدنا من اللامساواة واللا عدالة واللا أخلاق، فإن مقدمي خدمات التعليم حري بهم أن يتركوا للوزارة مكانهم، ويتركوا لها المخصصات التي تخصص لهم، لعلها تكتب بها خمسة آلاف معلم وأستاذ دفعة واحدة، وبالشروط التي ذكر السيد الوزير، ثم تكونهم في اسبوع، وتقدم للشعب الموريتاني الأبي الكريم سنة تعليمية؛ هو مستحقها وحق بها وأهلها، وهي وزارة جديرة بتقديم الحلول العقلانية، الناجعة والناجحة، دأبت على تقديمها كل حين وجدت لذلك ضرورة.
واذكر جميع مقدمي خدمة التعليم بأن بائع الرصيد ليس أكثر أعباء منهم، وهو ويرجو من وراء بيعه للرصيد ما لا يرجون من تقديم خدمات التعليم، وكذا الدكاني والمزارع، ثم إن من غايات الحر شرف العيش بكرامة لا باحتقار، أو موت بشرف، دفاعا عن الكرامة ودون احتقار. وقد قال الإمام الجرجاني في رائعته المشهورة : ........
وَمَا كُلُّ بَرْقٍ لاحَ لي يَسْتَفِزُّنِي
ولا كُلُّ مَنْ لاقَيْتُ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا
وَإِنِّي إذاما فَاتَنِي الأَمْرُ لَمْ أَبِتْ
أُقَلِّبُ كَفِّي إِثْرَهُ مُتَنَدِّمَا
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كانَ كُلَّمَا
بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِيَ سُلَّمَا
إذا قِيلَ: هذا مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى
وَلكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا
ولم أَبْتَذِلْ في خِدْمَةِ العِلْمِ مُهْجَتِي
لأَخْدِمَ مَن لاقَيْتُ لكنْ لأُخْدَمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً
إِذِنْ فَاتِّبَاعُ الجَهْلِ قَدْ كانَ أَحْزَمَا
ولو أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوهُ صَانَهَمْ
ولو عَظَّمُوهُ في النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
ولكنْ أَذَلُّوهَ فَهَانَ وَدَنَّسُوا
مُحَيَّاهُ بالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
وسلام على من اتبع الهدى
تأملات عاطل