العقيدة "الأشعبية" عند النخبة/ حمِّين ولد عبد الله

أربعاء, 16/09/2020 - 03:18

في إحدى  مناظرات الديموقراطيين لحسم مرشح الرئاسيات الأمريكية على مستوى الحزب، تلقي نائب الرئيس جو بايدن صفعة مؤلمةً من خصمه السناتور كاملا هاريس حينما واجهته بمقولتها المشهورة (كانت هناك فتاة صغيرة في كاليفورنيا وقعت ضحية الفصل العنصري في مدرستها الخاصة ... تلك الفتاة هي أنا)، ويرى كثيرون أن شعوره بالذنب ربما كان من بين الأسباب في اختياره إياها نائبا له لرئاسيات 2020، وتعود  بداية القصة الى سبعينيات القرن الماضي حينما  ساند بايدن  بعض الشيوخ العنصريين في الوقوف ضد مشروع قانون لدعم وتنفيذ سياسة الحكومة الفدرالية التي  تقضي بتوفير نقل لائق ومجاني يمكن الطلاب السود من الوصول الى مدارس  البيض لدمجهم فيها والعكس صحيح بالنسبة للطلاب البيض، من أجل تربية جيل  متجانس ومتماسك قصد تجذير عقيدة الاحترام وقبول الآخر  وكآخر مرحلة من مراحل  القضاء على الفصل العنصري.  

حدث ذلك على  الضفة الغربية من المحيط الأطلسي وفي أعظم دولة في العالم،  وعلى الضفة المقابلة من نفس المحيط، تقع دولة فتية لا تزال تتلمس طريقها  نحو التأسيس وبشعب تعود أن يستورد كل شىء حتى فكره السياسي، ومن الغريب أن هذا التقابل الجغرافي يرافقه تطابق جلي  في التنوع العرقي والمشاكل البنيوية، ولكن لم يرافقه  تطابق  في كيفية  الطرح ووضع الحلول، وربما كان ذلك هو السبب في تخلفنا عن الركب وكأن الأطلسي أهدى ضفتيْه لطرفي نقيض.

لقد قاد الأمريكيون وبعيقدة قوية ثورة زراعية وأخرى صناعية، كانت طاقتهما العاملة  إفريقية بامتياز، ولما اكتشفوا أن العلاقة بين العامل ورب العمل  تكرس ظاهرة العبودية المقيتة، حاربوها بكل الوسائل الشرعية لأنهم فهموا قبل غيرهم ما تشكله من خطر على التنمية، وقد كادت أن تأتي على الأخضر واليابس حينما جرتهم الى حرب أهلية بين الشمال والجنوب، سرعان ما فهموا سلبيتها، فحولوا المعركة الى ميدان أكثر ملاءمة لدولة المؤسسات، واختاروا سلاحاً أكثر أماناً وفاعلية، هو نص القانون والدستور حيث طوروا منظومتهم الحقوقية والقانونية بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة واصروا جميعا  على  احترامها  وتحت أي ظرف، لأن الهدف كان هو  بناء الدولة القوية  والمستقرة التي يجد فيها الجميع ذواتهم ولذا نجحوا.

وبما أن الهدف من  التاريخ هو خدمة الحاضر واستشراف المستقبل، فقد تسامى الأمريكيون على خلافاتهم واتحدوا بوحدة الهدف.   ونختلف  نحن اليوم، فنهدر الجهد ونضييع الهدف. لقد تعودوا أن يقدروا كل من وضع ولو لبنة واحدة من أجل البناء، وتعودنا أن نهدم كل مرة ما بناه الاسلاف ونجهز  بالطلاء الأسود على كل ماهو أبيض وناصع في تاريخ الأمة ونلعن الزعيم والبطل بل وحتى كل من سولت له نفسة أن يقول كلمة حق في مواطن الباطل. لقد أسسوا لدولة المواطنة تحت قبة البرلمان  بإيمان لا يهزم وبفكر وطنى أصيل، ونعيش كل مرة وتحت قبة البرلمان  فصول مسرحية هزيلة  نريد لها أن تؤخرنا  ولو بشوط واحد إلى الوراء، وبعقيدة "أشعبية" دخيلة بحشودها ومرجعياتها، تلعن كل مرة حسينا لنا  بدل أن تبكيه، لقد تعودنا أن نزدري كل شيء على  هذه الأرض وأن نخذل كل الحقوقيين الطيبين ونضيق بهم ذرعاً، لأنهم كافحوا من أجل العدالة في هذا المجتمع.

لقد تعودنا أن نكذب من أجل البقاء وأن ننافق من أجل البقاء وأن ندلس من أجل  البقاء وأن نخون من أجل البقاء وأن نهدم من أجل البقاء، وكأننا نحث الخطى من أجل البقاء، وتلك لعمري طريق التلاشي .. ويبقى الأمل.