ما الذي حدث؟
لست أعتقد أن كاتبا أو ناقدا باحثا من هذا الجيل أوذاك إلتفت إلى قضية ولد عبد العزيز وغزواني فى أعمق أبعادها ، كما ألتفت إليها محاولا تفسير ها بطريقة منهجية ومحايدة و إن بدت للبعض غير ذلك .. فتلك ليست مشكلتي ، وإنما المنهج الفكري في التحقيق الجاد عادة ما يلتقط جزئيات الواقع دون التورط فى مبالغات تعتمد على الصدفة .. كتلك التى كان غارقا فيها الاعلام الأجير !
والباحث فى جذور هذه الأزمة يسلك طريقا وعرًا كمن يسير فوق خيوط العنكبوت إذ تتعرض له كومة من علامات الاستفهام تتعلق بتحديد مجال تعريف ولد الغزواني .. فهو المفتاح وليس ظله ..وفى ضوء نظرية التحليل النفسي ، وما يتصل بها من لا شعور وغرائز جنسية واحلام ومكبوتات ، وصل فرويد عالم الفن ليعرض بضاعته السيكولوجية فكان من الأوائل الذين رسخوا بالنظرية والتطبيق علاقة علم النفس بالأدب والنقد ، إذ تناول بالتحليل النفسي الشخصيات وأعمالهم ..يرى فرويد ان الانسان العصابي اقرب الى الجنون لحظة العملية الإبداعية ، وبعد الفراغ منها فهو إنسان عادي سوي فى كامل وعيه !.. وكأنى به يعنى غزواني فهو شخص غامض ويثير الفضول ذلك ان الشخصية الغامضة عادة ماتتمتع بالنضج والهدوء والسيطرة على المشاعر اضافة الى ذلك قلة الحضور الدائم وقوة الملاحظة الصامتة وعدم السعي الى لفت الانتباه والتفكير العميق والتخطيط الخطير .. كل هذا جعله فى مأمن من كتاب القشور فقد احاط نفسه بسياج قوى من الحديد .. ولكن مهما يكن .. فذلك لا يعنى اننا سنقف على محيط ذلك السياج دون الولوج الى الداخل . .فلطالما كانت السباحة فى المياه العكرة خارج السرب تمثل مغامرة تحفها مخاطر النفاق ونكران الجميل والغدر ، كان سيف ضوء التحليل الحاد وهو يتسلل عبر النوافذ الموصدة، يمثل هاجسا لأولئك الذين اعتادوا دخول أبواب الظلام، وكأنّ المستسلمين طوعا للخيانة ، يرفضون بإصرار محاولات من يؤرقهم بإمكان وجود حياة خارج ظلمات القبور، بينما ذاكرة التاريخ الممزوجة بالنكبات تزيح ستارها كل حين عن مشهد خيانة ، يقترفه السفلاء بحجة واهية !
هكذا أرادوا لنا أن نقرأ القصة - العسكر- ونكتب من سطوحها لا من صميم أحداثها ولا من تفكيك أقواسها المعقدة .. فثمة حلقات مفقودة كأنها مشكلة فى الرياضيات العليا 'mathematique superieur 'تم تعديلها ليستحيل حلها !
لقد نجح العسكر فى أن يضع على عيوننا منظارا قاتم السواد ، فبدت لنا الجوانب الشائهة وكأنها نابعة من علاقتهما _ عزيز وغزواني _لا من صميم الاحداث !
ربما يكون الأمر ليس معادلة نووية معقدة ولا أغوارا مظلمة مخيفة.. ولكن ليس كل شيء واضح منذ البدء !
ليس هذا تداعيا على الصورة السياسية التى تغطى المكان حاليا ولا تداعيا فكريا وانما هو البناء العام للأقصوصة التى أرادوا لنا أن نستوعبها دون الفحص أو التدقيق فقد كان الظرف والزمان عاملان للبعض لكي يندفعوا فى نشوة واهتياج الى غزوانى غير أن عربة الموت التى خرجوا منها تركت لحظة متميزة كشخصية فنية تلعب دورا رئيسيا هو ' التأمل'!
ولكي لا ارى باكيا على الأطلال ولا حالما أحلام اليقظة فى العهد الجديد ..فإن المرء يقف مشدوها أمام هذه المعادلة المثيرة للتأمل :لقد اظهر غزواني من القشرة الخارجية عداءه التام لولد عبد العزيز فوق السطح السياسي إذْ عين كل شخصية تقف ضد ولد عبد العزيز بغضا وكراهية سواءا وزيرا او مديرا ولم ينتهي الامر هنا فحتى الأشخاص الذين يديرون برنامجه هم خصوم ولد عبد العزيز ويأتى على راس اللائحة مدير الديوان ولم يقف منديل القشرة هنا فحسب ، بل تدلى ..فحتى لجنة التحقيق البرلمانية يقودها أعداءه المباشرين والغير المباشرين بل وفيهم من سبق أن سُجن فى قضية الأرز الفاسد وفيهم من هو ولاءه لرجالات اعمال معروفة !....والتشخيص هنا لا يحتاج للجدل ضف الى ذلك أن المعارضة كانت تنتظر هذه اللحظة التاريخية ولم يحتج ولد الغزواني الى جهد لإقناعها فأرتمت فى احضانه بدون ان تعرف المقدمات ولا النتائج .. ضف الى ذلك السماح لولد بوعماتو بالرجوع ..وكان هذا فى المقابل حسب القراءة من فوق السطوح لا من الداخل _لان الإدراك شيء والواقع المضموني شيء مختلف_ كاف ليأخذ ولد عبد العزيز مسافة طويلة من الجميع فأصبح فى وضع لم يكن يتوقعه وأصبحت العلاقة بينه وغزواني حتى الاعتبارات لم تعد تخضع لها وخرجت من حدودها الطبيعية .. !
على أية حال ، كانت هذه البراعة الفذة هي الخطوط الاولى فى اللوحة الجديدة رغم رفاهية التفكير وبذخه اللذين ترفل فيهما صاحب الفعل .. ولكنها كانت كفيلة بان يصدقها الجميع !
لا شك اننا نلحظ ان القضية أصبحت واضحة اكثر من ذي قبل ، بعد ان تحولت المشكلة الى مرحلة اكثر تعقيدا .. وهذا هو العيب الذى وقع فيه غزواني لانه اعتقد ان لا احد يملك منهجًا يغوص به الى جذور القصة .. فوقف طويلا عند القشور .. ولذلك فإن الجزء الثاني من اللوحة لم يلمسه .. الواجهة العسكرية !
ظلت الواجهة العسكرية كما هي فهؤلاء الجنرالات لم يُغير واحد منهم من مكانه .. فهل كانوا حوبا على ولد عبد العزيز .. فهو من وضع فيهم ثقته على طول الخط وقام بتعينهم في أماكن حساسة وكانوا فى المقابل مخلصين له .. فما الذى يجعل ولد الغزواني لا يغير ولو واحد منهم ؟
والجواب على هذا السؤال صعب للغاية فصاحبنا x ولد الغزواني صامت ..لانه يدرك أصول اللعبة .. فهو يتفق مع عدة أطراف عسكرية متعارضة فى وقت واحد ، ثم من الواجب فنيا ان بختار العنصر الحاسم بعد فوزه .. ولكنه لايفعل .. لانه يحترم قواعد اللعبة ويظل منضبطا طول الوقت حتى اذا تيسر له الفوز طبق شروطها على الآخرين كما كان يحدث له تماما .. ورد فعله على خصمه القديم هو الانتقام منه بالتقرب منه كالمعارضة مثلا، ورد فعله على حليفه وصديقه القديم هو الابتعاد عنه .. لكنه لا يصل معه الى حد نفيه ولو كان فى مركز ضعف !
يدرك ولد الغزواني جيدا أن الماء والزيت لا يمكن لهما بأي حال من الأحوال ان يصنعا محلولا متجانسا فأبعد عنه ولد عبد العزيز وقرب المعارضة لانه اذا فعل العكس سينكشف أمره وتتدلى أعماله مربوطة.. ويقال بانه مجرد دمية لولد عبد العزيز!
كان الاتفاق غير المكتوب بينه وولد عبد العزيز شيئاً مجهولاً ..
يتواصل ..