هل كان في ذهن ولد الغزواني سيناريو محكم التكتيك بدءًا من لجنة التحقيق الى استدعاء ولد عبد العزيز ورفض الاخير ؟
والسؤال ، حتى يستقيم مدلوله الاستراتيجي ، يجب أن يكون سؤالا اجتماعيا لا سؤالا خاصا بشخص الرئيس .. حتى نستطيع تفسير ظاهرة استقباله للمعارضة وسماحه لعودة ولد بوعماتو !
هنا يصبح الجواب ضمن مساءلة ولد عبد العزيز ، وماذا اذا كانت الامور كلها مجرد مشاهد سيناريو محكم في ذهن الرئيس .. فالحقيقة السياسية العسكرية تقول ان عملية استدعاء ولد عبد العزيز كانت الوسيلة الوحيدة امام الانقلاب الصامت لا ليكتسب الشرعية الدستورية ( الإجماع الشعبي ) فقط، بل ليتمكن من إعداد النظام البديل واستحضار ركائزه وتهيئة الأسس الموضوعية التى يبنى فوقها ..فالانقلاب الغزواني الصامت ليس انقلابا غزوانيا فحسب.. ولكنه الوسيلة الوحيدة للعبور بالنسبة لمن يقف وراء غزواني وهذا ما يفسر عملية المقايضة التى حدثت بين ولد عبد العزيز وغزواني .. ولكن كل ذلك لم يكن مزاجًا شخصيا او اجتهادا فرديا من الرئيس غزواني .. فقد كانت هناك قوة خلفه هي صانعة الاحداث وهي الحلقة المفقودة التى لم يستطع أحد الوصول اليها طوال هذه السنة .. كانت الاحداث المتناقضة تختل كثيرا في المقام الاول ذلك أن التصرفات المعلنة من أعلى - شخصية غزواني- لا تتماشي معه ولا مع الواقع الصارخ من أسفل.. وأثناء هذا المشهد اختفى التحليل !
لقد ذكرت المقدمات وحدها، ولن نصل الى نتائج الا بعد سردنا للسياق .. فبغض النظر على أن عام 2020 هو اسوأ عام اقتصادي وسياسي فى تاريخ موريتانيا الحديثة بأكمله وأن منهج الخطة وأسلوب التنمية وطريق الانفتاح تؤدي جميعها بموريتانيا إلى الهاوية !
ولم يكن ذلك كله سوى نغمة تناقض الى حد مروع مع الأحلام التي رافقت رحلة ولد الغزواني.. فلماذا كان حتميا للسقوط أن يكون مدويا ، وماهي آفاق تطور التجربة الانقلابية الصامته بعد أن هيأ لها ولد عبد العزيز - عن غير ادراك- الطريق السالك ، ثم انزلقت من ثغرة الوفاء !
فما الذي حدث ؟ ..
تقول الحكاية انه لما نال الثلاثي ولد الغزواني وولد حنن وزير الدفاع وولد المامي مدير الجمارك فى باكلوريا علوم طبيعية .. ترافقوا الى المغرب وهناك درسوا واكملوا دراستهم .. كان ولد حنن يأتي دوما فى الامتحانات رقم واحد وكان ولد المامي طالبا مجتهدا بينما غزواني لم يكن مهتما كثيرا بالمراجعة ولكنه ياتى فى خانة الأوائل من الامتحانات .. حصلوا على شهاداتهم من المغرب .. ولم تكن تلك الرفقة لسنوات الدراسة العليا الا عنصرا حتميا يؤدي الى اواصر الصداقة والوفاء.. سيفسر فيما بعد أحداثا اخرى !
ولم تكن هذه الحقيقة غائبة عن ولد عبد العزيز فبحكم علاقته بغزواني سوف يكون حتما مطلعا عليها ولم يكن ذلك الاستطلاع بمنأي عن ابعاد ولد حنن من المشاهد المتقدمة ولم يكن أيضا بمنأي عن وضع ولد المامي مديرا للجمارك طوال فترة حكمه ولم يكن ابعاد الاول و إقراب الثاني الا معادلة ستفسرها احداث اخرى غير أن مايحسب لولد عبد العزيز انه كان يعرف جيدا ما يريد ويعرف ما يرفض .. ومن موقع الإدراك لهذه الحقيقة ، فإن ولد حنن وفى سبيل الحفاظ على العلاقة - لكي لا يُحال الى التقاعد- اصبح ملزما بأن يؤيد ويدعم كل خطوة تتخذها السلطة في الاتجاه المشترك بينهم .. فعاش طيلة المرحلة تحت رداء غزواني بصمت !
كانت ثقة ولد عبد العزيز بغزواني كلما تقادم الزمن عليها تأخذ مزيدا من الثبات والرسوخ حتى أصبحت بالنسبة له من المسلمات التى لا تُناقش وقد عاش ولد الغزواني طوال فترة ولد عبد العزيز على التمرد الصامت والجمود الخبيث .. ومع ذلك لم يكن ميالا لمعارضته بل وحتى لإبداء الرأي إلا حين يُطلب منه فيصوغه وفق مايتصور أنه سيكون رأي الرئيس !
أما المرحلة الثالثة والغائبة هي مرحلة الثورة أو المواجهة التى تعنى التغيير الجذرى وهي المرحلة التى بدأت من يوم تنصيب ولد الغزواني حيث بدأت مقدماتها تسير وفق خطة مُحكمة الجذور .. تعانق ولد الغزواني ظاهريا مع المعارضة عناق حبيب فقد محبوبته اكثر من عشر سنوات وتعانق مع سيمفونية النشاز عند ولد بوعماتو الغائبة وتعانق من الجانب الآخر مع ولد حنن سرا عناق الرفاق .. ولم يكن كل هذا العناق إلا ليصب فى اتجاه واحد وهو التخلص من ولد عبد العزيز رغم خروجه المشهد !
- [ ] عندما حاصرت هذه العناصر مجتمعة ولد عبد العزيز كان الأخير يخوض احدى بطولاته بصمت ضدهم ، ومضى يحلق بأفكاره خارج حدود القطيع الذاهب طوعاً نحو هوة تصفية الحسابات، كان ولايزال التحريض على أشده، وقد ضاقت صدور المعارضة وغزواني وبوعماتو بما يُنشر ضدهم من تخبطات ، فأنشؤوا لجنة للتحقيق وأصدروا تصريحا بإستدعاء ولد عبد العزيز ، حين اتهموه بالفساد وربما بالردة والخروج عن الدين !
- [ ] واقبل الجواب عاجلا وحاسما على مسرحية الفشل وذلك برفض ولد عبد العزيز الحضور .. كان ذلك بمثابة الرصاص الذي يخترق الجسد وكان أيضا بمثابة محطة الوصو ل.. وصول نقطة الحسم الى النقطة التحول الاستراتيجية ....
- [ ] وإذا كان التمويه الديماغوجي من الصفات التي رافقت هذا النظام بعد استلامه السلطة فقد أصبح العمود الفقري للسلطة بحيث أصبحت أدلة الفساد المتهم بها ولد عبد العزيز ذاتها أصبحت تكاد لا تعني شيئا حيث يضع المرء يده على شيء اشبه بالمسافة بين الحلم الذي تحشوه اجهزة الاعلام المأجورة ومؤسسات التشريع في الرؤوس حشوا ، والكابوس الواقعي الذي يحيونه !
ولكن مالذي حدث بعد ذلك ؟
- [ ] والحق انني لا استهدف جوابًا شاملا على الاسئلة ، بقدر ما أتوخى المساهمة في إزالة الضباب الكثيف حول ( لجنة التحقيق ) التى كادت من فرط التشويه أن تصبح أحجية ولغزا في عيون الغالبية من المواطنين .. حتى أضحت الصورة الشائعة عند إعلام المعارضة والمتغزونين فى خطوطها بين الذم والخروج المبتذل على الأعراف الاجتماعية ، وقد شاركت في تزوير هذه الصورة المزيفة أطراف عديدة في مقدمتها السلطة التى أرتدت لوقت من الزمن ثوبا محايدا ثم تحولت لوقت طويل الى الرداء الراديكالي !
- [ ] لعل الايام والاحداث المتسارعة أثبتت صحة ماقاله ولد عبد العزيز "اهدادت الحلمة على الشراطة" في مؤتمره الذى عقده فى منزله .. حيث بدأت الامور -بعد رفضه الاستدعاء - من بدايتها الى نهايتها وكأن شيئا لم يحدث ..واشتعل الفتيل مجددا ولكن الانفجار لم يقع حيث تدحرجت الحلمة في تطور مسارها محاذاة الشراطة .... والسؤال الذي يطرح نفسه بارزا .. كيف توقف غزواني فجأة ؟ .. هل أحس بشيء ما ..والسؤال الطبيعي ماذا كان يجري على أرضنا وكأن ولد الغزواني كان في سمائها حتى انه قرر وقف هذه الإجراءات بمجرد الهبوط ؟.. يمكن وصف ماحدث بإيجاز كما يلي :
"يتواصل"
القاضي مولاي أحمد