تحت الخيمة وتحت الأشجار / محمدو ولد البخاري عابدين

أحد, 14/06/2020 - 19:12

بنشاب : عندما أعتذر المغرب عن احتضان مؤتمر القمة العربية دورة 2016، وأصبح الدور على موريتانيا حسب الترتيب الأبجدي لاحتضان هذه القمة لأول مرة في تاريخها، قال الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز سوف نعقد القمة العربية ولو تحت الخيمة وفعل، لكن ذلك كان بسبب عدم وجود قصر أو قاعات لعقد قمة أو مؤتمر دولي، رغم مرور 55 سنة من الاستقلال، وفعلا عُقدت تلك القمة تحت خيمة ونجحت تنظيميا وإعلاميا، وحققت لموريتانيا الكثير أقله تعرف الكثيرين قادة وسياسيين وإعلاميين على البلد الذي كان أغلبهم يسمع به ولا يعرف عنه شيئا، وفي أحسن الأحوال ما يعرفه عنه مشوه ومقلوب.. أتذكر إعلاميا سودانيا حضر لتغطية أعمال القمة، وكان في برنامج على قناة الموريتانية، فسأله معد البرنامج الشيخ ولد سيدي عبد الله كيف رأيت موريتانيا مقارنة بما كان لديك عنها من تصور؟ فقال ما رأيته وما لمسته يختلف كليا عن تصوري السابق عن هذا البلد.

أتذكر أيضا وزير الخارجية العراقي الأسبق إبراهيم الجعفري الذي مثل بلاده في تلك القمة في كلمة له خلال افتتاح أعمال اللجنة العليا المشتركة الموريتانية العراقية، التي انتهز فرصة وجوده في موريتانيا وطلب عقدها إلى جانب نظيره الموريتاني وزير الخارجية السابق إسلكو ولد أحمد إزيد بيه يقول ما مضمونه، نحن بلدان على طرفي خارطة العالم العربي متباعدان جغرافيا لكننا متقاربان ثقافيا، ومن حسنات هذه القمة أنها مكنتنا من التعرف أكثر على هذا البلد والوقوف بأنفسنا على حقيقته ومكانته، وسنعود إلى العراق ولدينا صورة أخرى عنه..

اختتمت تلك القمة تحت الخيمة بتلك الرمزية والثقة في النفس، والتحرر من الإستسلام للواقع وقيود وهواجس و " أعظام " العجز والدونية، لكن اتُّخذ القرار باختتامها أن لا تُعقد قمة ولا مؤتمر في موريتانيا بعدها تحت خيمة، فتقدمت موريتانيا بطلب عقد القمة ال 31 للإتحاد الإفريقي في نواكشوط والمكان الذي ستُعقد فيه لا يزال حينها مساحة جرداء، لتبدأ دعامات ولبنات قصر المؤتمرات " المرابطون " تعلو تصاعديا، بينما الفاصل من الأيام عن موعد القمة في عد تنازلي، وفي ظرف ثمانية أشهر فقط أصبح القصر جاهزا واستقبل 55 وفدا رسميا ومئات المراقبين والإعلاميين، قادة وساسة وإعلاميون لم يكن سوادهم الأعظم أيضا يعرف عن موريتانيا إلا القليل، كما احتضن هذا القصر كذلك عشرات الوفود الرسمية والإعلامية وآلاف المدعوين في ذلك اليوم المشهود، يوم شهد العالم أول تبادل للسلطة في موريتانيا بين رئيسين منتخبين، ليعطي كل من المناسبة والمكان من أبهته ورونقه للآخر.. وذلك بعد أن كان الملعب الأولومبي هو المكان الوحيد المتاح لمحافل التنصيب.

واليوم أيضا يستعد هذا القصر لاحتضان قمة مجموعة الخمس في الساحل وفرنسا، هذه المجموعة التي ترغب بقية أعضائها وشركائها في عقد قمتهم افتراضيا بسبب ظروف انتشار " كوفيد 19 "، بينما ترغب موريتانيا في عقدها وجها لوجه، ويدعمها في ذلك الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الذي يقول إن قصر المؤتمرات الجديد في نواكشوط قادر على استقبال الوفود طبقا لإجراءات التباعد والإجراءات الإحترازية الأخرى، وهو الذي عرفه من خلال حضوره الجلسة الختامية لقمة الإتحاد الاتحاد الإفريقي نواكشوط 2018.

لا نعتقد أن الحديث عن علاج مرضى كورونا في بلادنا تحت الأشجار وارد اليوم، حتى وإن كان ذلك الحديث ورد تحديا ومبالغة كتحدي عقد القمة العربية ولو تحت خيمة.. إذ الظروف تختلف، فمن توفوا حتى اليوم بالفيروس 80% منهم توفوا رحمهم الله على فراشهم في بيوتهم أو في الطريق للمستشفى، وليس بسبب نقص الأسرة أو أماكن الحجز لأن في العاصمة وحدها اليوم 11 مستشفى كبيرا 7 منهم أنشئوا خلال السنوات العشر الأخيرة هم مستشفى الصداقة وتوسعته الأخيرة، مستشفى الأمومة والطفولة، مستشفى الأنكولوجيا، مستشفى الكسور والحروق، مركز أمراض القلب، مركز أمراض الكبد والفيروسات، مركز الأمراض المعدية، مع ترميم وتوسعة وتجهيز المستشفيات التي كانت قائمة كمركز الإستطباب الوطني، والمستشفى العسكري، ومستشفى الشيخ زايد، ومستشفى التخصصات المعروف ب " طب جا "، بالإضافة إلى إقامة 7 مستشفيات كبيرة في عواصم سبع ولايات حسب الحاجة والكثافة السكانية في روصو، وكيهيدي، وسيليبابي، والنعمه، وكيفه، وأطار، ونواذيبو، وتوسعة وترميم وتجهيز المستشفيات الجهوية في عواصم باقي الولايات، ناهيك عن عشرات المراكز والنقاط الصحية في البلديات وعواصم المقاطعات، وهي المستشفيات التي لم تلجأ الدولة اليوم للتكفل بمرضى الفيروس إلا لجناح واحد من بعضها وليس إلى كل أجنحتها.

ولم يكن تشييد وتجهيز هذه المسشتفيات بالطبع تحسبا أو استعدادا لفيروس كورونا الذي لم يكن أي بلد في العالم مستعدا له كما أظهر ذلك انتشار الفيروس عالميا، وإنما شُيدت وجُهزت من أجل توفير وتوسيع الخدمات الصحية الأساسية، وإقامة بنية صحية يمكن معها الحديث عن إصلاح القطاع الصحي، إذ من العبث والديماغوجية الحديث عن إصلاح قطاع بلا بنية أصلا! نقول ذلك للمتحدثين اليوم عن هشاشة أو انهيار قطاعنا الصحي خلال السنوات الأخيرة وكأنه قبلها كان صرحا..! لا، لم يكن لدينا قبل هذه السنوات قطاعا صحيا حتى ينهار، والنقص اليوم كما قلنا ليس في الأسرة ولا سعة مراكز الحجز، بل في أجهزة التنفس الإصطناعي ومستلزمات الوقاية وأجهزة الفحص.

وما كان من العملي ولا من الإقتصادي خلال هذه السنوات، ونحن نؤسس لبنية صحية أساسية، ونبعث قطاعا صحيا من نحو العدم، بالضبط كما كنا منشغلين بالبنية المينائية الأساسية من أجل استغلال أمثل لمواردنا البحرية، والبنية الأساسية للنقل الجوي طيران ومطارت، والبنية الأساسية للنقل البري بربط المناطق المعزولة بالطرق، والبنية الأساسية المائية والكهربائية، والبنية الأسياسية التعليمية الإبتدائية والثانوية والعالية والمهنية، وقبل ذلك كله البنية الأساسية الأمنية.. ما كان من العملي ولا الإقتصادي في ظرف تأسيس بنية صحية أساسية صرف المليارات في اقتناء آلاف أجهزة التنفس، ومئات آلاف أجهزة الفحص، وأطنان مستلزمات الوقاية للتصدي لفيروس ما كان في الحسبان، فذلك ترف ما خطر على بال غيرنا من المتخمين ماليا، والمتفوقين علميا واقتصاديا وصناعيا، والسابقين استشرافا وتخطيطا فما بالك بنا! البنية الصحية القائمة اليوم، وفي الظروف العادية هي التي صرح وزير الصحة الحالي مرة، ما قبل كورونا، بأنها تكفينا إذا ما نظمناها ولسنا بحاجة لزيادتها!

وقد كان من لطف الله بنا أن هذه الجائحة لم تصل إلى بلدنا ونحن في تلك الظروف قبل وضع هذه البنية الصحية حيث كان لا شيئ، وحيث كان العلاج سيكون فعلا ـ واقعا وليس مبالغة ـ تحت الأشجار، والفحوصات في باريس أو داكار، ونقل المصابين على ظهر جمل أو حمار..!

نعم الحاجة اليوم والنقص كانا في متطلبات التعامل مع فيروس مستجد وجائحة كبيرة لم يعرف العالم مثلها في العصر الحديث، وصدق مدير الصحة فقد رأينا بلدانا كبيرة ومتطورة صحيا تلجأ لتحويل المسارح والقاعات الرياضية إلى أماكن للحجز والحجر مع ارتباك شديد، وحق لها ذلك الإرتباك في ظل آلاف الإصابات اليومية، والضغط السياسي والنفسي لمئات وآلاف الوفيات اليومية كذلك.. لكن ذلك لم يكن حالنا ولله الحمد من حيث مستوى انتشار الفيروس بادئ الأمر بل وإلى حد الآن مما جعل ارتباكنا غير مبرر، و جعل المهلة التي منحنا إياها الفيروس بتفشيه عالميا ثلاثة أشهر قبل تفشيه الفعلي في بلدنا تضيع دون الإستفادة منها في الاستعداد بالحد الممكن من أجهزة الإنعاش وأجهزة الفحص ومستلزمات الوقاية، وبحالة استنفار ميداني بحجم وباء اتضح أنه كان منتشرا بيننا في الوقت الذي نعلن خلو بلدنا منه، خصوصا مع عدم جدوائية التعويل على مجتمعنا في ما يخص الإجراءات الإحترازية التي استعانت بها بلدان أخرى على الفيروس بمجتمعات طابعها الوعي والإنضباط والتنظيم، تربية وسلوكا وتكوينا وقيما لم نتمكن من تجسيدها في الظروف العادية أحرى في أخرى استثنائية!

بعض البلدان سنت قوانين وأتخذت قرارات بعقوبات وغرامات في حق كل من يُخفي إصابة بالفيروس، أو من يُخالف الإجراءات الإحترازية، وقد حاولنا ذلك فيما يعني مخالفة الإجراءات، وأصدرت وزارة الداخلية تهديدات بعقوبات ضد المخالفين، ولأنه لا وسائل أو لا قناعة فيما يبدو لمتابعة لتلك التحذيرات، فإنه على الأقل ومع الإرتفاع المخيف لنسبة الوفيات نسبة لعدد المصابين في بلادنا، والناتج أساسا عن تهاون ذوى المتوفين بعدم نقلهم إلى المستشفيات في الوقت المناسب، فإن الحل الآن للحد من عدد الوفيات لن يكون إلا بعقوبات صارمة لكل ذوي فقيد بسبب الفيروس توفي في بيته أو وصل المستشفى في الرمق الأخير وكان ذووه يُغطون على إصابته، هذا إذا كانت الجهات الصحية فعلا صادقة في ما تقوله من امتلاكها لأجهزة ووسائل إنعاش الحالات الحرجة.