يقول الكاتب الفرنسي "ميشيل دي مونتين"
"أعر نفسك للناس، لكن أعط نفسك لنفسك "
لا أحد يستطيع أن يفسر صمت الساسة - معارضة وموالاة - في بلدنا عن أهم الملفات الوطنية على الإطلاق ، وهو ملف الإهانة المسمى " تازيازت "
أما صمت المطلب الشعبي وإرتهانه للخمول والجبن ونكوصه خلف وهم الرخاء الذي لن يطال منه إلا ما طال حنين من غير خفيه ، فهو معلل ومفسر ومحلل ومعتل الأول والآخر .
قضية تازيازت ليست قضية منجم وثروة منهوبة بالتعاون بين السماسرة في الداخل والجشعين في الخارج ، إنه ملف كرامة وطنية .
كيف لثلاثة ملايين لا يحسنون غير الحديث ، أن ينتابهم هذا الصمت الجاثم دون الحق ؟
" شركة تازيازت موريتانيا المحدودة " ..
عام 2009 حققت تازيازت مبيعات بقيمة مليار دولار ، 650 مليون منها أرباح صافية ، وحصلت الجمعية الخيرية المسماة موريتانيا على 65 مليون دولار منها كضرائب .
في ذات الوقت كانت رسل البلاد تجوب الشرق والغرب مستجدية القروض والمنح، بحثا عن ملايين من الدولارات ( من المؤسف أنهم كانوا يلبسون بذلات وربطات عنق راقية ) .
تمر طائرات تازيازت المحملة بالأصفر النقي فوق القرى النائية وتخطط للتكرم بحفر بعض الآبار كي لا يموت الناس هناك تماما كما يشفقون على كلابهم من الموت .
وهناك في جزر الكناري ، يستضاف أصحاب البطون المكورة رفقة عشيقاتهم ، في الأرخبيلات الخرافية ، ويعيشون أيامهم بعيدا عن شوراعنا المتسخة ومناظر الفاقة في أحيائنا التعيسة .
هذا ما يحدث بالتحديد ..
في العام 2014 حققت فتوحات وغزوات تازيازت أكثر من 2.6 مليار دولار ، وأطعمت الأفواه الزرقاء ب 300 مليون منها .
مازلنا حتى ذلك التاريخ نرسل الوجوه الشاحبة إلى البلدان الصديقة والشقيقة ، حتى ضاقت دونهم جداول المواعيد في مكاتب البنك الدولي وقصور الملوك والرؤساء .
وكل مطالبها تحت سقف العشرات من الملايين.
انظروا خلفكم..
هل تعرفون ما يمكن أن تفعله 2.6 مليار دولار بخارطة البؤس هذه ؟
إنها ببساطة شديدة ، تكفي للقضاء على 40% من الفقر ، أي أنها كافية للقضاء على الفقر في عامين لا أكثر .
كل ذلك الإغراء لم يكن كافيا لينبس أحد بكلمة في وجه جبروت الإستغلال والرشوة والعمولات المسمى تازيازت .
كل ذلك لم يكن كافيا لتخرج قامات وطنية بلا حسابات بنكية نهمة ، لتقود تظاهرة عارمة لطرد مصاصي الدماء وتعرية السماسرة من إمتيازاتهم .
في العام 2016 ، يطلب سكان أنشيري من إدارة تازيازت أن تستمع إليهم بخصوص مطالب تعهدت بها الشركة فيما يخص التنمية المحلية .
لا أريد أن أتقصى مخزون تلك العبارة العامر بالإهانة والإستكانة والضعف .
( سكان إينشيري يطلبون من تازيارت أن " تستمع" إليهم)
كلمات كهذه كانت كافية لتأميم تلك الشركة صبيحة ذلك اليوم ، وأن ترى نايشين الضباط مسورة ذلك العار .
لا يحب الموريتانييون الحديث عن أي منزع ثوري ، لكن وطأة الإعتياد على الإهانة كافية لترجمة المحتوى .
دعونا من كل ذلك
لينظر أحدكم إلى الدمار الناتج عن حرب طاحنة في أي بلد من العالم ، ويقارن ذلك الدمار بالعدم الذي نستظل به ، وسيدرك جيدا أن رصيدنا للقفز على ذلك المنجم والشمس في كبد السماء ، لن يكون مختلفا عن أحد أيمانا الأخرى ( عرق وعطش ومسغبة في يوم مسغبة ).
دعوا الساسة والأحزاب جانبا ، فليس من بين تلك الوجوه الكالحة من يستطيع خلع الظلمات عن وجهه في يوم من أيام الوطن .
علينا أن نضع تازيازت نصب أعيننا .
فثروتنا هي ما يغرفه الأجانب في الشاحنات من باطن الأرض لا مانجمعه "ببيلات " من على ظهرها .
ليسأل كل واحد منا نفسه ، لماذا عانت أمهاتنا كل ذلك الألم يوم المخاض، وهل سيعيش أحدنا أو يموت قبل أو بعد موعده المكتوب ؟ .
محمد أفو
#كامل_التضامن مع عمال تازيازت.