الشرطة في “خدمة” الشعب!!
أعرف تمام المعرفة أن تعاطي الإدارة والمؤسسات الرسمية في هذا البلد مع المواطن ما زال سيئا للغاية، ويطبعه الكثير من الاحتقار والاهمال. هذا باستثناء “المحظوظين” من ذوي النفوذ المادي أو المعنوي، وهو ما يعني أن أربعة أخماس المترددين على الإدارات يعيشون عذابا مهينا، لكني أدرك وأدركت أن مفوضيات الشرطة بصيفة أخص من أسوأ الإدارات في هذا المجال، فهي واقع مركب من سوء الحال تجهيزا وإمكانات وسلوكا وحتى مظهرا، لا قيافة، لا تنظيم، وغالبا تكون المكاتب والغرف داخل المفوضيات وسخة ذات روائح غير مريحة، العناصر مشتتو الإنتباه زائغو الأعين، لا تحس وأنت تلج أي مفوضية أنك تدخل مؤسسة أمنية منظمة ومنضبطة وجدية. هذا دون ما يطبع الجهاز عموما من فساد ورشاوى وفشل في توفير الامن، وما يُتهم به بعض عناصره من علاقات متشابكة وود مع المهربين وباعة المخدرات وشبكات السطو والنشل والاغتصاب .. الخ هذا وتكون الشرطة في الموعد وفي كامل الجاهزية إذا تعلق الأمر بقمع الطلاب واصحاب المظالم والحقوق، أو تم طلب التجسس على المواطنين العاديين واقتحام خصوصياتهم!
نادرا ما أقدم نفسي بصفتي المهنية في المؤسسات الرسمية، خاصة مع وجود طابور أو أشخاص كثر ينتظرون خدمات رديئة بأساليب مهينة، فبعض “التسهيلات” تكون محرجة بعض الأحيان أمام أصحاب الحاجة ممن تتفاوت ظروفهم ليكون احسنها أنهم وصلوا قبلك، ولذلك عشت بعض اللقطات في اربع مفوضيات على الأقل خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، كان آخرها اليوم في مفوضية لكصر قرب كارافور ولد اماه.
نهاية نوفمبر الماضي اقتحم لصوص البيت عبر نافذة الحمام، وسرقوا بعض المقتنيات من بينهم هاتفي وبعض اللباس وسيارتي، كانت مفوضية الزعتر هي المعنية وقمت بالإجراءات عندهم فجرا بعد الحادثة بساعة ونصف، طبعا أعطوني وصلا مكتوبا باليد، ثم قام الفسابكة بالواجب حتى عثروا على السيارة على بعد 300 من المفوضية المعنية، أما الهاتف فقد التحق به اثنان آخران من نوعه في سرقة أخرى من البيت قبل أسبوعين، وطبعا قامت المفوضية بنفس الواجب اي منحي وصلا مجهريا مكتوبا باليد، ومن الطريف المضحك أن احد الارقام التي أخبرتهم أنها سُرقت استخدمه الآن ولم يتصلوا به في إطار بحثهم المفترض. طبعا كلمت مفوضية الشرطة القضائية ووعد بعض عناصرها ببذل جهودهم، وإلى الآن لا جديد ….
قبل حوالي شهرين اقتحم لصان سيارة أخت عندي حوالي ميدي عند كارافور تن اسويلم فقفزت من السيارة، بعد مطاردة من المارة وعناصر امن الطرق تم اعتقال أحدهما، وإلى الان لم يعتقل الآخر رغم أنه زميله، هذه الحادثة أدت بي لمتابعة الامر في مفوضية عرفات رقم 2، وكنت هنا أكثر حظا حيث لاحظني أحد العناصر فاخبر المسؤول الأول هناك وكان متعاونا كثيرا رغم ان المطلوب هو محضر فقط، لكن نعاسة الكومبيوتر وتهالكه وكثرة الضغط جعلتني أنتظر سحب نسخة منه أكثر من ساعتين .. فكيف سيكون واقع الآخرين؟
اليوم حاولت الثامنة والنصف دخول مفوضية لكصر من أجل إفادة ضياع لبطاقة تعريفي التي سرقت ضمن مقتنيات أخرى في إحدى غارات ألفتها المنازل خاصة تن اسويلم، لكن أحد العناصر خارج المفوضية اعترضني مستفسرا عما اريد فاخبرته، فأذن لي بالدخول، فدخلت ليعترضني آخر “هيه ارجع الهيه” فرجعت، بل انسحبت بعد أن نبهتهم على سلبية سلوكهم تجاه المواطنين. اما معاملات عناصر الشرطة على قارعة الطريق فحدثوا ولا حرج، والطفها ذلك الذي يبتسم ابتسامة مؤلمة ليسال بعدها حاجات مادية تافهة وباسلوب مهين للبذلة غير المتناسقة التي يلبس!!
إذا كان هذا واقعي وأنا املا حياتهم ضجيجا، ولي من العلاقات المتشعبة ما يسهل بعض اموري، فما هو واقع المواطن العادي الذي تجتمع عليه سلوك هؤلاء وإهمالهم وعجزهم وتعجيزهم، وظروف حياته الصعبة كدا ومكابدة؟!!
أدرك أن لكل واحد منكم الف قصة وقصة مع هذا الجهاز، وآلاف لقطات المعاناة مع الإدارة عموما …
ملاحظة: أعرف ان ثمة بعض العناصر الجادة، وأعرف ظروف وإمكانات هؤلاء، لكن الجانب الأغلب في تعاطي الشرطة مع المواطن، بل الجانب الأغلب في الإدارة عموما هو السلبية مع الأسف!
النائب محمد الأمين ولد سيدي مولود