
بنشاب : في مَضمارٍ تتلاطمُ فيه أمواجُ الخصومات السياسية، وتتقاطع فيه رياحُ التأويلات وتقاذفُ الاتهامات، تتجلّى محنةُ الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لا على هيئة نزاعٍ قانونيّ فحسب، بل في صورة استهدافٍ ضاغط تتكشّفُ مظاهرُه في إرجاء الرعاية، وتعليق الحقوق، وتغافلِ الجهات المختصّة عن واجباتٍ لا يسع العدالةَ أن تُهملها، ولا يسوغ للضمير العام أن يتجاوزها. وإنّ الرسالة التي رفعها محاميه Abdarrahmane Ould Ahmed Taleb الأستاذ
إلى معالي وزير العدل، إنّما هي شهادةٌ موجعة تُفصحُ عن حقيقة الحال، وتُميطُ اللثام عن تقصيرٍ لا يليق بقدسية الحقّ الإنساني، ولا بمهابة الدولة وهيبتها.
إنّ المحامي، وقد سطّر خطابه اليوم الجمعة 05 ديسمبر، لم يُنشئ كلامًا عادياً، ولا رفع شكوى عابرة؛ بل أقام حجّةً مُحكمة، واستعرض واقعًا بالغَ الجسامة، مفاده أنّ الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يرزحُ تحت وطأة حساسية مفرطة تُلهبُ بدنه، وآلام حادّة في المفاصل تُقعدُ الجسد عن احتماله، وقد تقدّم – وفق الأصول – بطلبٍ لإجراء كشف طبيّ يضع النقط على الحروف، ويُحَرّر الحقيقة من ضباب التكهنات، غير أنّ ذلك الطلب ظلّ حبيس الأدراج شهرين كاملين، تتقادم الأيام معه، وتتفاقم الأوجاع، وتذبل القدرة على الصبر.
وما كان لِسُلطات العدالة – لو أنّ الإنصاف كان ميزانها – أن تُعرض عن مطلب كهذا، ولا أن تُقابل استغاثةً صحيّة بمثل هذا الجمود، لا سيما وقد بذل طبيب السجون ما استطاعه من جهد، فكشف، وقدّر، ورفع توصياته، غير أنّ صوته سقط بين جدران الصمت، وكأنّ القصد رسم دائرة حصارٍ صحيّ بين المريض وحقّه، في مشهد لا يشبه إلا الاستهداف الواضح الذي أصبحَ عنوانًا ملازمًا لِسيرة الرئيس السابق منذ أشهر.
إنّ تحميل معالي وزير العدل لمسؤولياته في هذا الباب ليس تهديدًا، ولا مَيلًا إلى التصعيد، ولكنه حقٌّ محض، ونداءٌ تُحتّمُه قواعدُ القانون، وقيمُ الدولة، وفلسفةُ العدالة التي لا تفرّق بين خصمٍ وخصيم، ولا بين رئيسٍ سابق ومتهمٍ عابر. فالواجب أن يُمكَّن الرجل من الرعاية الصحية على وجه الاستعجال، وأن يُرفع عنه ثِقَلُ الانتظار الذي لا يزيد الحقيقة إلا غموضًا، ولا يزيد الألم إلا اشتعالًا، ولا يزيد روح العدالة إلا انكسارًا.
وليس خافيًا أنّ ما يتعرّض له محمد ولد عبد العزيز من تضييقٍ صحيّ، وتأخيرٍ متعمّد في التمكين من العلاج، إنما هو فصلٌ آخر من فصول الاستهداف السياسي الذي لبس لبوس الإجراءات، وذاق طعم التأجيل، واستحال سياسةً تقوم على الإرجاء حين يجب الإسراع، وعلى الصمت حين يجب النطق، وعلى الحياد السلبي حين يكون التدخل واجبًا لا يحتمل التأخير.
إنّ محنة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ليست قضية رفاهٍ أو طلب امتياز؛ بل هي حقٌّ أصيل في أن يُعالج، وفي أن يُصان جسده من الألم، وفي أن لا يُترك رهينةً للمرض أو للمماطلة. وإنّ الرسالة الموجّهة إلى وزير العدل ليست إلا جرسًا يقرعُ ضمير الدولة، وينبّهها إلى أنّ العدالة لا تُبنى بالتغافل، ولا تصان بالتأجيل، وأنّ احترام الإنسان – أيًّا كان موقعه – هو الركن الأوّل في صرح الشرعية.
وعليه، فإنّ الاستجابة الفوريّة لطلب الفحص، وتمكين الرجل من حقه في العلاج، ليست منّة، ولا استثناء، بل وفاءٌ لواجب الدولة تجاه أبنائها، وردٌّ على الاستهداف الذي صار مكشوفًا بحيث لا يُوارى، ولا يُجادَل فيه.
وبذلك فقط تستقيم الموازين، وتشرق العدالة من جديد، ويُرفع عن الرجل ما لحقه من ظلمٍ واضحٍ لم يعد خافيًا على بصيرٍ ولا بصير.
Brahim abdellahi
