
بنشاب : في زمنٍ اختلط فيه غبارُ الدعاية بدخان الحقيقة، وتبدّل فيه ميزانُ القيم حتى صار البريءُ متَّهماً والوفيُّ مطعوناً، ينهضُ اسمُ محمد ولد عبد العزيز كصخرةٍ في بحرٍ متلاطمٍ من الزيف، لا تُحرّكه العواصف، ولا تنالُ منه سهامُ التأويل. رجلٌ واجه العاصفةَ بجبينٍ مرفوع، وسار في طريقٍ لا يسلكه إلا من كان قلبه مشتعلاً بالوطن، لا بالمصلحة.
حين ادّعى المدّعون أن في الخزائن ذهبًا لا يُحصى، وحساباتٍ لا تُعدّ، وحين رسمت لجانُ الاتهام أرقامًا تُزاحم الجبالَ عظمةً، جاء الواقعُ ليهدمَ البناءَ الورقيّ على رؤوس من شيّدوه.
قالوا: "ثمانٍ وعشرونَ مليارًا"، فأجابت الوقائعُ: "أين الأثر؟ أين الأوقيةُ الواحدة التي خرجت من بيتِ المال؟" فلم يجدوا سوى أصداءِ أصواتهم تتردّد في الفراغ.
نُسبت إليه أملاكٌ لا يملكها، وعماراتٌ لرجالٍ لا صلة لهم به إلا ما تجمعُه صُدفُ القبيلة، فظهرَت الحقيقةُ جليّةً: أن الكيدَ كان منسوجًا بخيوطِ الحسد، لا خيوطِ الدليل.
لقد أُعيدت العقاراتُ إلى أصحابها، وفكّ الحجزُ عن أصدقاءٍ لم يبيعوا ضمائرهم في سوق السياسة، وبقيت الحجةُ شاهدةً على عبثِ من أرادوا تلويثَ صفحةٍ من أنصع صفحات الحكم.
وما تبقّى من زيفِ المبلغ، جُعل مطيّةً لتشويهِ علاقةٍ إنسانيةٍ نبيلة، حين قالوا: سبعةُ ملياراتٍ قُدّمت لولد عبد العزيز من خلف الستار. ولكنّ الحقيقةَ أن تلك العطايا كانت عربونَ وفاءٍ بين رجلين جمعتْهما المروءةُ قبل أن تُفرّقهما السلطة، وأنّ الخمسينَ مركبةً التي أُرسلت إليه لم تكن هديةَ فساد، بل تحيّةَ تقديرٍ لرئيسٍ سابقٍ حمل البلادَ على كتفيه عشرَ سنين دون أن تمتدّ يدُه إلى فلسٍ من مالِ الشعب.
ثم جاءت المهزلةُ في أرضٍ بتفيريت، حيث صارت القطعةُ الصغيرةُ تُثمَّنُ بأربعينَ مليونًا في ميزانِ المكايدة، لا في ميزانِ السوق. كأنّ القومَ أرادوا أن يجعلوا من الرملِ ذهبًا، ومن التهمِ حقائقَ تُشترى في سوق الأكاذيب. لكنّ الأرضَ لا تكذب، وشهادةُ الشرفاءِ فيها أبلغُ من تقاريرِ المحاكم التي خالطها الدخانُ السياسيّ.
وفي المقابل، أظهر الواقعُ أرقامًا مهولةً، لا يطيقها العقلُ حين يسمعُ أن أربعمائةً وخمسينَ مليارًا تاهت في عهدٍ يُرفع فيه شعارُ الإصلاح، فلم تُحرَّك فيه النياباتُ، ولم تُفتح فيه ملفاتُ المحاسبة، لأنّ المتورّطين هم من جلسوا على مقاعد القرار.
أين العدالةُ التي تُحاكمُ العفيفَ وتغضّ الطرفَ عن اللصّ؟ أين المساواةُ إذا صار الاتهامُ سلاحًا، والبراءةُ تُهمةً في عرفِ الخصوم؟
إنّ محمد ولد عبد العزيز، بما له وما عليه، سيبقى في ميزانِ التاريخِ رجلًا واجهَ الدولةَ العميقةَ بصلابةِ الحديد، وحمل همّ الإصلاحِ حين كان غيرُه يوزّعُ الغنائم، وبنى وطنًا حين كان الآخرون يتقاسمون الظلال. وإنّ محنته اليوم ليست إلا امتحانًا لعزّةِ الرجال، يخرجُ منه كما يخرج الذهبُ من النارِ أنقى وأصفى.
ستبقى الحقيقةُ — وإن أُخفيت — كالفجرِ حين يُطلّ من بين الغيوم، لا يمنعُها حجابٌ ولا يُخفيها دخان. وسيبقى اسمُ محمد ولد عبد العزيز محفورًا في ذاكرةِ التاريخ، لا بما كتبتْه لجانُ التحقيق، بل بما نطقَت به الأيامُ من صدقِ الإنجاز، وصلابةِ الموقف، ونقاءِ اليد.
أما الزيفُ، فمصيره إلى الذبول، لأنّ الريحَ لا تُسقطُ الجبال، وإن علا صخبُها. وموريتانيا — التي أنجبته واحتضنته — ستعرفُ يومًا أن النورَ لا يُحبَسُ في قيد، وأنّ من زرعَ العدلَ في أرضها لا يُدانُ بزورٍ ولا يُحاكمُ بظلم.
#محمد_ولد_عبد_العزيز_الشهم_البطل
#الحق_يبقى_وإن_تأخر

