
بنشاب : ها هو نوفمبر يطلّ، لا كشهرٍ أقر ، بل كموعدٍ مع قاعةٍ يتقاطع فيها القانون مع السياسة، والعدالة مع الهوى.
في ذاك اليوم “الرائع” كما يصفه الرسميون، ستنطق المحكمة العليا في ملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز… لا لتفصل في قضية، بل لتكشف أيّ سلطة تبتلع الأخرى، وأيّ عدالةٍ تباع بالتصفيق وتُشترى بالصمت.
ما الذي ننتظره؟
هل ننتظر أن يتحوّل القوس الحديدي فوق المحكمة إلى قوس قزحٍ يربط بين العدل والحقيقة؟
أم ننتظر أن يكتشف القضاة فجأة أن الموازين ليست زينة في شعار الجمهورية بل معيارٌ لكرامة الدولة؟
البلاد تتهيأ لمشهدها الأخير:
أوراق، وكلمات، وتهم ثقيلة، ثم يخرج الجميع من القاعة ليصرّحوا بأن “القانون أخذ مجراه”.
لكنّ هذا المجرى عجيب؛ يجري دائماً في اتجاهٍ واحد — نحو من خرجوا من السلطة، لا من اغتسلوا بظلّها ولا من لا يزالون يغرفون من مائها العكر.
وفي الجهة الأخرى، تقريرٌ جديد لمحكمة الحسابات يُعرض أمام الشعب كوثيقة بطولية.
يُتلى كآيات النزاهة على منابر الإعلام الرسمي، ثم يُطوى برفقٍ ويُعاد إلى الأدراج نفسها التي نامت فيها مئات الملفات .
كم هو جميل أن نسمّي الفسادَ فساداً، شرط أن لا نمسّ أحداً من “المعتمدين”!
إنها بطولات ورقية في دولةٍ تتقن تغليف العفن بشعارات الإصلاح.
أما الشعب — ذلك الكائن الأسطوري الاحفوري الذي يُستدعى عند الحاجة — فيجلس أمام الشاشات يتساءل:
هل ما زالت السلطات ثلاثاً؟ أم أننا أمام سلطةٍ واحدةٍ ترتدي ثلاثة أقنعة؟
تنطق المحكمة، وتبرّر الحكومة، ويصفق البرلمان… كأننا في مسرحٍ لا ينتهي، أبطاله يبدّلون الأدوار ولا يبدّلون النص.
إنّ نطق المحكمة المرتقب لن يكون اختباراً للسلطة القضائية فحسب، بل اختباراً للبلد كله:
إما أن يُثبت أننا نملك قضاءً لا يركع إلا للقانون، أو نكتشف أننا نعيش في جمهوريةٍ تعاقب بالأسماء وتبرّئ بالأوامر.
أما إن ظلّت محكمة الحسابات تصرخ في الفراغ، وتظلّ السلطة التنفيذية تتعامل مع تقاريرها كأنها ملاحظات أدبية لا تستحق الرد، فسنظل نعيش في وطنٍ يُحاكم فيه الأفراد لتبرئة النظام.
نوفمبر قادم…
فإما أن يُكتب في تاريخه أن موريتانيا اختارت العدالة الحقيقية،
أو يُضاف إلى سجلها أنه كان شهراً آخر من شهور المساخر السياسية تلطخ فيه سمعة الأبرياء و تستر فيه وجوه اللصوص...
