الجهل المقدّس: جذور التخلف والفقر في موريتانيا

أربعاء, 15/10/2025 - 12:52

بنشاب : في موريتانيا، حيث تمتدّ الصحراء بلا حدود، ويُختزل الغنى في الثروات الطبيعية المدفونة تحت الرمال والبحار، يظلّ الفقر سيّد الموقف، والتخلّف واقعاً يفرض نفسه على حياة المواطن. لكن السؤال الجوهري: لماذا تعيش بلاد غنية بالذهب والحديد والسمك، فقيرةً إلى الحدّ الذي يجعل غالبية شعبها أسيرة الحاجة؟

الجواب لا يكمن فقط في سوء التسيير والفساد، بل في ما يمكن تسميته بـ “الجهل المقدّس”: منظومة ذهنية واجتماعية رسّخت القبول بالواقع، وحوّلت الاستسلام إلى فضيلة، وأفرغت التعليم من مضمونه، لتجعل من الجهل قيمةً محمية بتبريرات دينية واجتماعية.

1/-  التعليم… صناعة الأمية

النظام التعليمي في موريتانيا فشل في أن يكون أداة للتحرر والنهضة. على العكس، صار وسيلة لإنتاج أجيال عاجزة عن المنافسة في سوق العمل. مناهج متقادمة، مدارس بلا تجهيزات، معلمون بلا تكوين ولا حوافز، وطلاب يتركون المقاعد الدراسية مبكراً بحثاً عن لقمة العيش. هكذا يتوارث الفقر كما تتوارث القبائل أسماءها، ويبقى الجهل متوارثاً كما لو كان جزءاً من الهوية.

2/-  الثقافة القَبَلية… قيدٌ على التنمية

القبيلة، التي كان يفترض أن تتطور لتكون إطار تضامن اجتماعي، تحولت إلى سلطة بديلة للدولة. فهي التي تحمي الفاسدين من المحاسبة، وتمنح الولاء السياسي، وتوزع المناصب وفق قاعدة “ابن العم أولى من الكفاءة”. هذه الثقافة جعلت من “الانتماء” أهم من “الاستحقاق”، ورسّخت التخلّف كقدر محتوم، والفقر كعقاب لا مفر منه.

3/-  بين التديّن الحقيقي والاستغلال

موريتانيا بلد المليون شاعر والمليون حافظ للقرآن، لكن الدين الذي يفترض أن يكون قوة للتحرر والعدل، صار في أحيان كثيرة وسيلة للتبرير والسكوت. يتم استغلال النصوص الدينية لتكريس الطاعة العمياء، ولتبرير الغنى الفاحش لفئة قليلة، مقابل فقر مدقع للأغلبية. هكذا صار الجهل مقدساً، يحمى بخطاب ديني منحرف يُعلي من قيمة الصبر على الظلم، ويُسكت الأصوات المطالبة بالتغيير.

4/-  الفساد… سرطان متجذّر

الجهل المقدس هو التربة الخصبة التي ينمو فيها الفساد. المواطن الذي لا يعرف حقوقه، لا يطالب بها، والحاكم الذي ينهب دون حسيب ولا رقيب، يجد في جهل الشعب حماية مجانية. الشركات الأجنبية تنهب الثروات، والمسؤولون المحليون يتقاسمون العمولات، بينما المواطن البسيط لا ينال سوى الفتات.

الفقر في موريتانيا ليس قدراً، والتخلّف ليس لعنة سماوية. إنهما نتاج الجهل المقدّس الذي صنع مجتمعاً يرضى بالقليل، ويتقبّل الفساد كأمر طبيعي، ويغلف الاستسلام بغطاء الدين والتقاليد.
وما لم يتم تحرير التعليم من الرداءة، والدين من الاستغلال، والسياسة من القبيلة، فإن موريتانيا ستظلّ غنية بما تملك، فقيرة بما تعيش، سجينة لجهلها المقدّس.

محمدعبدالرحمن ول عبدالله
كاتب صحفي ، أنواكشوط