بنشاب : تجمع أطراف محاكمة العشرية بنيابتها العامة وممثلي الطرف المدني ودفاع المتهمين على أن رئيس الجمهورية لا يسأل عن الأعمال التي تصدر عنه بصفته رئيسا، بالمقابل دار الكثير من النقاش في اتجاه ما ذهب إليه المحامي محمد محمود ولد محمد صالح في مقاله حول نظرية الأعمال المنفصلة، وما سطره حول هذه الأعمال، وإسقاطه للتجربة الفرنسية في هذا الخصوص على السياق الموريتاني.
لكن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في حديثه الأخير أمام المحكمة أمس حول مسار النقاش، حين قال إنما ورد في أمر إحالته على المحكمة من ما نسب إليه لا يعدو كونه ادعاء لأوامر وتوجيهات لعدد من أعضاء الحكومة في شأن من شؤون السياسية العامة للدولة " بيع عقارات للدولة، إنشاء شركات ..." وعلى ذلك الأساس يكون جميع ما في أمر الإحالة عمل لم يذهب أي أحد إلى أنه منفصل عن ممارسته لسلطاته الرئاسية لأنه صدر منه لأحد القائمين على تنفيذ السياسة العامة للدولة التي يتم تنفيذها من الحكومة وفقا لتوجيهاته واختياراته.
ومضى ولد عبد العزيز إلى القول إنه "مسؤول عن جميع الأوامر التي أمر بها انطلاقا من المادة 43 من الدستور التي تقول: تسهر الحكومة على أعمال السياسة العامة للدولة طبقا للتوجيهات والاختيارات المحددة من قبل رئيس الجمهورية "، وبالتالي فلا قائل بأن الأوامر المتضمنة في الإحالة هي عمل منفصل، وإذا لا مسؤولية جنائية فيه على رئيس الجمهورية بإجماع جميع الآراء الفقهية والسوابق القضائية مالم يصنف خيانة عظمى، ما يعنى في جميع الأحوال عدم اختصاص محكمة مكافحة الفساد بالنظر فيه.
يذكر أن الأستاذ المبرز محمد محمود ولد محمد صالح كتب مقالا ،تلقفته الجهات المعنية بجرجرة ولد عبد العزيز أمام القضاء ،حول "الأعمال المنفصلة" أيام احتدام الجدل حول مساءلة الرئيس السابق ولد عبد العزيز في يوليو 2020، ورجع في ردوده أمام المحكمة ليتحدث عن نموذج للأعمال المنفصلة هو حديث عزيز عن أموال حصل عليها من الحملة الانتخابية، وذلك استباقا للأحداث، لأن مسألة الأعمال المتصلة بالنسبة لأمر الإحالة محسومة باعتبار أن ما وجه عزيز من أوامر لأعضاء حكوماته في الإحالة لا يمكن اعتباره فعلا منفصلا ــ حسب المحامين ــ ، فكأن الأستاذ محمد محمود راجع موقفه الأول الذي عبر عنه في المقال لأنه لا نتيجة له ولجوؤه لضرب المثل بما تلقاه الرئيس عزيز من أموال في الحملات الانتخابية يوضح ذلك ، لأن تصريحات عزيز جاءت متأخرة على نشر المقال بأكثر من سنتين.
في ظل إثارة المادة 43 من الدستور أمام محكمة الفساد لم يعد للحديث عن الأفعال المنفصلة من مقصد، لأن كل ما نسب إلى ولد عبد العزيز في أمر الإحالة أعمال متصلة من صميم مهامه وهو ما لا يمكن للمحكمة أن تغفله في حكمها المرتقب وخصوصا في ظل كونها معنية بالبت بشأن المادة 93 من الدستور.
يبقى أن نشير إلى أن اختيار الرئيس عزيز لإثارة مقتضيات المادة 43 في هذا التوقيت من المحاكمة، يمثل تكتيكا ذكيا حيث لم يعد للنيابة ولا دفاع الطرف المدني من مجال للرد على هذا الدفع المؤثر في مسار القضية.
نوافذ