إلى الأخ المدون أبي ولد أعمر زيدان

أحد, 23/07/2023 - 05:33

(خَمْسٌ على واحدة، تقرأ مجتمعة أو تترك مجتمعة، والرابعة منها لأهل الحقل الصحفي)
1- كلمة "مقام" على نحو ما أوردتها لا تستقيم بأي حال من أحوال الاستسهال والتجوز تعبيرا، فلا مقام ضمن احوال ولد آدم يعدل مقام محمد صلى الله عليه وسلم؛ برسلهم وانبيائهم وصالحيهم وأوليائهم وصديقيهم.
2- قد يلتمس لك العذر، إن اوضحت وعدت لحبرك في خبرك، في حصول تباين بين المراد واللفظ، فتكون قد أردت قولا نظريا -فيه كلام- على نحو أن خليفة المسلمين في مقامه قياما بشأنهم ورئاسة لسلطتهم هو، ضمن مصطلح الخلافة، ممثل نظريا في ولاية الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إن كان مبايعا مزكى قائما بأمرهم على المطلوب)، وهذا، على نسبيته حكما في التفاصيل، بعيد عما ورد في كلامك حتى وإن كان ذاك مرادك، واللغة هنا لا تحتمل المرونة كثيرا. 
ثم إن المقام يختلف، على سبيل التمايز، عن مجرد المماثلة في الصفة المشتركة؛ فالإساءة للرسل والأنبياء مثلا -لمدرك مغزاها- مخرجة من الملة سواء ذو العزم منهم وغير ذلك ضمن تراتبيتهم، لكن مقاماتهم تتباين فضلا ضمن فئتهم، حتى وإن كانت الإساءة لهم على قدر العظمة نفسها خطيئة مخرجة من الملة والإيمانُ بهم على قدر اللزوم نفسه في العقيدة (لا نفرق بين أحد من رسله)، وسنام تلك المقامات مقامه صلى الله عليه وسلم. أوردت لك ذلك القوس القصير للتنبيه إلى كلمة "مقام"، فإذا كان ذلك حالها ضمن المصطفين الأخيار بالوحي والعصمة، فكيف ب"المقام" ضمن سياق مقارنة أدنى!
3- أنه إذا توغلنا في روح المعنى، فإن مجرد مقارنة الإساءة لخاتم الرسل عليه صلوات الله وسلامه بالإساءة لرئيس دولة او عظيم أمة استحضارا لمنزلة الأخير، هو إساءة في حد ذاتها، وإن سلمت النيات وخان اللسان، ففي المسألة تنازع حيز لا وجود له، وكل مواربة فيه فتح لباب خطء عظيم. وفي سياق كلامك مثلا، كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أعلى رتبة وأول خليفة مزكى، قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، بالإمامة في الصلاة ومقربا في الصحبة والمصاهرة، ومعلوم حال الصديق رهبة تقدير وتعظيم له صلى الله عليه وسلم، ولو ذُكر أمامه أنه على نحو مقام الجناب النبوي -كونه الخليفة الراشد- لأبلغ ذلك مبلغه في القائل دون تردد.

4- أنك، وأنت من أهل الحقل الإعلامي وأحسب أنك تعي تراتب التفاصيل في لغة الإخبار، أنك في التدوينة عرجت على الإساءة الكبرى بعد أن استعظمت الإساءة الصغرى ورمْت جعلها رديفتها، وهذا في فن الأخبار كإيراد خبر جريمة من فئة un fait-divers الذي هو مندرج في متبقيات الأخبار غير المصنفة صحفيا، فجعلته الإساءة الكبرى تذكيرا بسياق التدوينة، بعد ان كنت قد افتتحت بالإساءة الصغرى (الرئيس) موضوعها الرئيسي إيرادا؛ وهذا في لغة التحرير والتبويب له وزنه دقة، وأخمن أنك على دراية به، لذلك وجب التنبيه فنيا مع استحضار حسن النية عقديا وتفهم إكراهات التحرير فسبكة مباشرة.

5- واستكمالا لتلك الملاحظات المتداخلة المنبثقة عن رتق واحد، ألا ترى، إن أنت أعدت النظر قليلا وسكت عنك صوت التفاعل واكراهاته، أنه حصل من خلال التدوينة خطأ في جعل المسيئة في كفة النائب على نحو ما -مهما اختلف مع الرجل او كان به من مظان نقد- وهذا قطعا يستحيل منطقا وحكما، وما هو إلا وجه عملة آخر لخطأ المقارنة في المساء إليهم.
 ثم، وهذه الأخيرة مني، مؤملا تحمل الملاحظات في سياق النصرة الذي أحسبنا فيه سواء، ألا ترى أنك دون قصد دفعت عن المسيئة بإلباسها لبوس البساطة وكونها مغمورة وكون ملفها قد فتح في القضاء! فكونها مجهولة لا وزن له هنا في تحليل الإساءة (وإن قصدتَ أنها حاصلة من غير معلوم المقام لدى الناس)، وإبرازك -بلغة الصورة ومؤثراتها- ل 'كونتراست' إساءة النائب للرئيس استحضارا لمنزلة النيابة عن الشعب؛ ذلك فيه خلط لورقتين الحز الفاصل بينهما كبعد السماء السابعة عن قلب الأرض الملتهب!

أخيرا،
ومما يحتمه السياق، وقد دونت فيه يوم وقوعه، أن أذكِّر ايضا أن قول بعض من سبقك في شأن كهذا، و قد يحمل عليك بعض أنصارهم في هذا الشأن إنكارا، اذكِّر مستنكرا ما ورد في مجلس من اتموليحة سمجة إن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم "غرس" من لعرب، قول يتبرأ إلى الله منه مهما سلمت النيات ومهما التُمِست المعاني المخففة لما فيه من إساءة في التشبيه واستحضار لتراتبية تقليدية هي اقرب اصلا للجاهلية، ومهما كان مقام ملتمس ذلك!

تحياتي لك ولجمهور القراء، وغرضي النصح، والله على ما اقول شهيد وهو حسبي وحسيبي، ولست خواض سجالات وأرهب "الموج الفيسبوكي" وترنداته، خاصة المزبدة، وانواءه المرعدة اعل لخو، رهبةَ تجَنُّبٍ لا توليًا عن حِجاج، إنما لكون هذا الموضوع لا يحل لمسلم فيه التراخي في النصح والاستبيان إن بدا له ما يسوغ ذلك..