بنشاب : متى يدرك هذاالنظام، أن الوعود العرقوبية، والتهديد والوعد والوعيد، كلها ليست من مسالك العمل الجاد والبناء الوطني في شيء، ومتى يدرك النظام عظم المسؤولية التي يتحمل ويتذكر الأهداف التي انتدب لها، ويستشعر خيبة أمل هذه الجماهير المتعطشة لأدنى الأشياء المفيدة؟
عملان قام بهما معالي وزير الداخلية، الذي يبدو للأسف أنه لم يخرج -بعد - من دائرة المراوغات والتحايل، ولا ينظر لمستقبل استراتيجي يتجاوز هموم الداخلية من بريد وارد وآخر صادر، فالرئيس والوزير، لا ينظر إليهما بتبديل وتغيير القطع الموجودة بين يديه، حتى ولو كان وضعها وتبادلها بذوق سليم وأنيق، أحرى أن يكون بغير ذلك، فهذا العمل هو تنظير في الواقع والمعلوم، وهي مهمة سهلة المزاولة من الكل، كترتيب قطع الديكور في البيت، إنما ينظر إلى الرئيس وإلى الوزير بالقدرة على التنظير في المجهول، وهو ما يسمى في الأكاديميات بالدراسات الاستراتيجية، وهذا البعد يغيب عن الرئيس والوزير.
١-إن أوامر وزير الداخلية بسحب مرشحي أحزاب الأغلبية لإفساح المجال إنعاشا لحزب الإنصاف، فبالإضافة لكونه تدخلا سافرا ينافي الحيادية المنتظرة من السلطة، هو أيضا ضربة سياسية للنظام نفسه، وتقويض للمسار الديمقراطي، بعد أن ذابت المعارضات المعتدلة، وتخامدت قوة الدولة في تقديم خطاب سياسي يحسن عليه السكوت، الشيء الذي يمهد الطريق المفروش بالسجاد الأحمر لخطاب التطرف ذي التأثيرات السلبية المزدوجة، معززا من الدهماء التي يكسب ودها تلقائيا، ومن أحزاب وطوائف تستبطن عشق الإثارة وزرع البلبلة، ومن المغاضبين الذين لا يعبدون إلا مصالحهم الذاتية، هذا إن لم تحدث مفاجآت وتطورات لا يتحكم فيها أحد.
٢- إن الذي سربته وزارة الداخلية عبر بعض المواقع ، بشأن ديون الشيخ الرضى، وإيهامه وإيهام غيره بأنها قاب قوسين أو أدنى من إنهاء معاناتها، واسترضاء الشيخ حتى استخلصت منه قصيدة عصماء في مدح معالي وزير الداخلية، يقول فيها
صُنُوفُ المَجْدِ فازَ بها السَّرِيُّ
محمدُ أحمدُ القرمُ الوفيُّ
فتى الأنداءِ عنوانُ المعالي
ونجمُ العصر غُرَّتُه السَّنِيّ
جزاهُ اللهُ صالحةً ودامتْ
فضائلُهُ يَتِيهُ بها النَّدِيُّ
كل ذلك مجرد عملية إلهاء جانبية، واستهلاك انتخابي في وجه الاستحقاقات القادمة، لكنه يندرج بالضبط في العمل الكيدي والمراوغات التي تولى زمانها، تماما كمنع أحزاب الأغلبية، وترهيب وترغيب الموظفين بالقول الذي تأباه الفطرة البشرية السليمة، كما تأباه النفوس الأبية، وتلك قليلة في زماننا الرديء، فمهما طغى الحاكم وبغى، ومهما تجبر وتألَّى، فإن الوطن للجميع لا يمنه أحد على أحد، والكفاءات للوطن وليست للأحكام الاستثنائية ولا بيادقها، فإن استغلتها استغلالا سيئا، فتلك جريمة ضد الوطن وليست ضد الأفراد وإن كانوا ضحيتها.
لقد حان لمعالي وزير الداخلية أن ينسجم مع متطلبات العصر، ويتجاوز عتبات الدهاء البدوي الذي يستبطن المكائد والدسائس، وفقه الله لما فيه صالح بلدنا ووفق ولاة أمور البلاد جميعا.