بنشاب : لم تأت شهادات الشهود الذين استدعتهم المحكمة المختصة في ملفات الفساد ــ حتى الآن ــ بالمثير، ولم تضف جديدا بالنسبة لمن استدعى الشهود وهو المحكمة، فقد كان بالإمكان الاستغناء عن شهادة مدير الأمن الأسبق أحمد ولد بكرن، لأنه سبق وأن قدمها أمام التحقيق، وأمام التحقيق البرلماني، وأمام الشرطة، ففي كل مراحل القضية التي مرت أدلى فيها بنفس الشهادة، فلم يكن هنالك داع لاستدعائه خاصة أنه لم يزد على كلمة واحدة وهي "أن ولد عبد العزيز اتصل عليه وقال له إن هنالك أشخاصا سيأتونه ليسمح لهم باقتطاع جانب من ساحة مدرسة الشرطة"، فهل جيء بولد بكرن ليعطي مصداقية للحديث أمام المحكمة؟
المفارقة في مثول مدير الأمن السابق أمام المحكمة هي أن الأسئلة كثرت عليه من الطرفين ــ محامي الرئيس السابق، ومحامي الطرف المدني ــ ، بينما كان في فم محامي الطرف المدني ماء أثناء شهادة إبراهيم ولد غده، وهو الأمر الذي لا يمكن تفسيره إلا بأن هنالك مصالح للمحامين مع مجموعة ولد غده منعتهم من مساءلة مديرها .
أما الشاهد با عثمان فقد نبهته المحكمة لحقه في عدم الجواب وأفرط في استخدام ذلك الحق لدرجة أنه في قضايا سبق وأن أجاب عنها أضرب عن الإجابة أمام المحكمة، وبالتالي فهو بدوره لم يضف شيئا للمحكمة، بل سكت عن أشياء سبق وأن تحدث فيها، وبذلك لم يقدم ما يدين الرئيس السابق عزيز، بل إنه قال إنه لم يتلق أمرا من الرئيس السابق وانما تلقى الخبر من الوزير الأول ويتعلق فقط بزيارة سيرافقهم فيها، أو حذف مدارس من الخريطة المدرسية.
الشهود صدّقوا عزيز ولم يكذّبوا النيابة !!!!
رجلا الأعمال سلمان ولد إبراهيم ، وإبراهيم ولد غده، صبّت شهادتهما أمام المحكمة في مصلحة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ولم يكذّبا النيابة، حيث أكدا ما قاله عزيز في أنه ثري، وأن أمواله ليست من أموال دافعي الضرائب، كما اتفق الشاهدان في المعلومات التي قدماها أمام المحكمة في أن أغلب الأموال التي سلمهما ولد عبد العزيز كانت من العملة الصعبة، وتم تسليمها بمناسبة حملة انتخابية، ما يحيل إلى أنها أتت من الخارج وبمناسبة انتخابات، وهو ما يعني أن ما ليس من العملة الصعبة منها قد يكون مساعدات تجار موريتانيين في الحملة.
نقطة أخرى اتفق عليها الشاهدان تحسب لعزيز وهو أنهما قالا إن هذه المبالغ كانت على شكل ودائع، ولم يقل أي منهم أنها للتجارة، بل وزاد ولد غده بقوله إنه لم يستفد من عزيز قط .
حديث الشهود عن الصفقات أمام المحكمة كان أيضا في مجمله في صالح ولد عبد العزيز، ذلك أنهم أظهروا أن الصفقة التي تحدث عنها أحد الشهود تبدو وجيهة على أساس تميز عرضه لا غير، ما ينفي عنها صبغة التجريم.
ضف إلى ذلك أن هذه الشهدات قد تنقل القضية إلى مخالفات تمويل الحملات الانتخابية بدل قانون الفساد، كما أنها ستطرح مشكلة ما أثير حول الحملة الرئاسية الأخيرة خاصة ما يتعلق بالسيارات رباعية الدفع هل تم شراؤها من أموال الحملة أم تم الحصول عليها من دعم خارجي، هذا فضلا عن أن عقوبة تهمة الإثراء غير المشروع ستكون بسيطة، حيث لا تتعدى مصادرة الأموال مع الحرمان من الحقوق المدنية المنصوص عليها في المدونة الجنائية، وفق ما تنص عليه المادة 16 من قانون الفساد.
لم يكذّبوا النيابة
الشاهدان صدقوا النيابة أيضا في قولها إن الرئيس السابق أثرى بطرق غير شرعية، انطلاقا من تصريحه بممتلكاته حين وصوله للرئاسة، والمبالغ التي كشفها الشهود وما بينهما من بون شاسع، يؤكد تهمة الإثراء غير المشروع ، لأنه لا يمكنه تبرير الزيادة التي طرأت في ذمته المالية مقارنة بمداخيله المشروعة.
وانطلاقا من كل ذلك فإن شهادات شهود المحكمة بطبيعتها الحالية إذا كانت عفوية، فإنها لم تخدم التهم المطروحة، إلا من زاوية واحدة وهي أنها تؤكد أن ولد عبد العزيز يمتلك ثروة طائلة، وهذا سبق أن صرح به هو نفسه .
إلا أن الحسم سيكون في رد ولد عبد العزيز على مصدر هذه الثروة، ذلك الرد الذي قد يعين في توضيح الأمور أكثر .