وداعاً أيها الشريف/ محمد الأمين محمودي

أحد, 18/12/2022 - 00:56

لأننا في سني الطفولة والتبطل والتسكع كنا نعرف أقاربنا بمودتهم لنا وابتسامهم لنا،ومباسطتهم ايانا، كنا جميعنا على اختلاف مشاربنا نعتبر ذلك الرجل الأسمر قريبا مقربا من كل واحد منا،في أحياء كبيتال جميعها كان الرجل بمثابة أب للجميع، يمر من الحي ليوزع الحلويات ويشتري الكرات ويبش في وجه هذا ويمازح ذاك،ويحارب البؤس في الوجوه بكل أسلحته،ثم ان اقتضى الأمر يعلم "ابيندي تيام" بالولفية الطرية كيف ان سمكها غير لذيذ،اوتنقصه مادة كذا..احمد حمزة في حينا هو موريتانيا المفترضة،انه الرجل الذي يتبعه الأطفال بمختلف اعراقهم،انه والدهم أجمعين، ويتكلم مع آبائهم بدون تحفظ ودون الحاجة لترجمان..
أحمد حمزة أحد تلك الجسور التي نعبر عبرها الى بعضنا كقوميات،احمد محبوب في السبخة وتيارت تماما كما هو محبوب في دول الجوار من عرب وأفارقة..
مرة كنا معشر المشتغلين في الصحافة نغطي مؤتمرا صحافيا لمجموعته الداعمة لمعاوية حين سأله أحدهم سؤالا موجها، فيه بعض الانتقاد للزعيم أحمد داداه،فلم يكن منه الا ان غضب وثار في وجهه: انا لست من الذين ارسلوك،أنا الآن مع معاوية لأن التغيير لن يتم الا من الداخل "واحمد نختيرو عنهم كاملين،ذ اسمعتو،ذ اسمعتو!!" بهت الرجل ووجم الحضور..فالرجل عرف في موريتانيا ونخبتها بأنه المتحدث بمافي قلبه الذي لايضمر الغل ولا الحقد..
اخبرني للتو أخي الحسن الذي لازمه في مبادرته تلك كيف كان يدخل متأبطا سجادته بعد منتصف الليل بساعة ثم يتهجد ماشاء له الله،ولايمكن لأي كان الدخول عليه او مقاطعته،حتى تحول الأمر لدى من معه الى فريضة، فتمت برمجة ساعات التهجد تلك في ليالي السياسة والحملة..على المستوى الشخصي عرفته كما اسلفت وانا طفل ثم وانا مراهق وحتى اليوم،وخلال كل هذا السنوات لم يخاطبني بغير ولدي،يقبل رأسي في كل لقاء ويسألني عن الأهل واصدقاء نادي "بي ام دي" الذين تلقوا منه الدعم منذ الطفولة..من الناس من تعيش معه عمرا ثم تحسبه يوما للطفه وطيبته ونقاء سريرته ولاشك ان احمد كان سيد هؤلاء،شعوري اليوم باحمد حمزة عند لقائه شعور طفل بحلوى نالها بعد طول طلب،وشعوري حين كنت صغيرا يوم يطل هو نفسه شعور امرأة وهي تحتضن لأول مرة وليدها بعد ان أخبرها الأطباء لسنوات بأنها عاجزة عن انجابه..شعوري بمقدمه وأنا طفل شعور الكفيف حين يبصر..لقد كان بحق مفرح الأطفال ولعل ذلك الشعور لازمني الى هذه اللحظة،فحتى تذكره اثار في هذا الشعور اللذيذ..
شكرا أيها الرجل الذي مر في حياتي مرور النسيم العليل..شكرا من قلب ذاك الطفل وشكرا من بقية قلب هذا الرجل.
رحم الله الشريف الشريف أحمد حمزة وغفر له وادخله الجنة..إنا لله وإنا إليه راجعون
.