بنشاب : قومية "البيظانْ" أو المجتمع "الحساني" ذلك البنيان المرصوص، الذي تشكل بدقة و حرص شديدين، يستحيل تفكيكه أو الخروج من إطاره مع الاحتفاظ بنفس خصائصه.
لا تعني التعريفات السابقة سوى التعاضد و التشابك و التضافر، و ترسيخ الفضيلة بين مختلف مفاصل هذا الكيان الاجتماعي السامي.
تلك الفضيلة التي استمدت من الدين الاسلامي الحنيف، دين الأخوة و السلام و المساواة، فلا فضل لداكن البشرة على فاتحها إلا بالتقوى، و النخوة و المروءة والترفع عن صغائر الأمور في الدساتير الأصلية لمجتمعنا.
غير أن كل ذلك الالتزام بالمثالية، كانت تفرضه _في أحايين كثيرة_ البيئة الكاشفة التي يعيش فيها الشخص تحت عيون المجتمع بكامله لا تحجبه جدران و لا عوالم افتراضية، يولد و يموت و هو تحت سطوة الرقيب الاجتماعي، الذي يحكم على علاقته بربه من خلال تأديته لعباداته تحت شجرة تتوسط الحي، و علاقته بأهله تحت قطعة المسكن المعلقة على ارتفاع امتار عن الأرض، ترصده المارة وهو يسيء أو يحسن معاملة والديه و نسائه وأولاده، لا مفر من مسطرة التقييم في مثل تلك المجتمعات!
لكن لا يمكننا إنكار الاختلالات التي تسللت من بين أقطار ذلك السمو، و ترسبت في عقليات الأفراد وترجمتها مسلكيات الحيف و الظلم، التي عانت منها أكثر فئات المجتمع محورية و نبلا و إنتاجية.
كانت شريحة لحراطين من بين الذين طالهم الغبن و التهميش و الإقصاء على مر عمر المجتمع، ولم يوفق غالبية الذين حاولوا إعادة الاعتبار لهم، لا من ناحية الطرح و لا على مستوى الاعتراف بما لحقهم من ضرر معنوي يثبت أحقيتهم في الإشادة و الشكر على ما قدموه لمجتمع، هم _في الواقع _ نواته الصلبة و قلبه النابض و سواعده القوية، وروحه النقية، ونفسه الشهمة، ولولاهم ما استمر.