تنهيدة في سبيل الوطن. .........ا

سبت, 23/07/2022 - 14:27

بنشاب : في حضن أعقاب الليل، أداعبُ مخيلتي بمعسول الأحلام قبل المنام ،.. لا أملك من الأسباب ما يجعلني أبالغ في إطالة أحلام اليقظة.. أعترف بأني مولعة بقياس مسافات الفواصل بين الأماني،.. لكن!،.. أيُسعدني زماني، فأبتدع أسبابًا تقنع الفقر بالرحيل عن أديم هذه الغبراء الغريبة الحبيبة.. بسلام.

سأحاول!

المهمة صعبة، فالفقر في حالنا وراثي، باعه طويل النَّفَس، وهو أطول الملاحم في تاريخنا، نستبطنه وبه نُتقِن لعبة الحياة على شفَا الحياة، فلا هو يقتلنا ولا نحن نحيَا على عتباته حياة كريمة،.. 

يتقن أهل بلدي حيَّاكة الكسل، فهو من مفرداتنا الثابتة، ومع ذلك يعجبني شعبي الأبي المسالم، رغم نزوعه إلى خموله المرضي، فحين قررنا بإرادتنا أن نكون عاطلين عن التقدم وعن كل شيء.. كان من لطف الله بنا، أنْ منَّ علينا سُخرة بأمم شتَّى تخدمنا،..والدليل أن الشعب يشبك سواعده في استرخاء، وتتثاءب عضلاته من تلقاء ذاتها، يهزأ، يضحك،  يَتَوسَّل مأكله من المغرب، وملبسه من الصِّين.. استطبابه على تونس وتركيا، وتقويم مساكنه على السنغال من البنَّاء "لإمبندانه"،.. والخبرة والهندسة على كلّ بالغ من أمة عيسى عليه السلام.. فبما أننا لا نبذل جهدا صار العالم "يبذل لنا"،.. شعبي "أغظف"!،..

ربما همّنا المُلح اليوم، أمَّة أخرى تتحمل نفقتنا من البنزين، لا أمَلَ في دول الجوار فأحوالنا في الفقر النفطي متقاربة.. 
ماذا لو تولَّت السعودية مؤونته؟،.. ماذا لو "تِـلْبِتْنَ" مؤقتا ببئرين بالدَّين المعفي كالعادة،.. ولا أظنها سترفض،.. فحسب توقعات النَّاتو وادّعاءات الإفرنج والسّاكسون، سنجلسُ عمَّا قريب إلى جوار الأخوات النفطيات في "الأوبك"، بندِّية المنتج للطاقة السَّلبية...عفوا!، الطاقة الأحفورية،.. وفي خيلاء مُحْدَث النّعمة سنحطُّ رجْلا على رِجل خلف يافطة تمنحنا كبرياء "بلد نفطي"، سنرتدي مثلهم بدلة كُحلية قاتمة، تفوح بعطر العُود، ونتثنَّى في كرسيٍّ هزَّاز، ننفثُ سيگارًا لُفَّ حِسيًّا على فخذ عذراء،.. فأفخم السّيگار ما تَدحرَجَ فوق فخذ ابرونزيٍّ لعذراء كُوبية.
سنخزق في أول جلسة عين فقرنا المُنكَّه بطعم التاريخ،.. سننهي الخصومة مع الثراء برعاية أطماعٍ دولية، فلا يُعقل أن يكون أشْأمَ علينا من الفاقة وهو من غير جنسها.. سأشفق على الفقر يومها وهو يفارقنا ذليلا.

بعد هذا المشهد المهيب، سأحاول استجلاء ملامح خليج غرب افريقي، نحن نواته!، سنمتلك احتياطيا كبيرا من الغاز المُسال، نغزوا به الأذهان والبلدان، من الرأس الأخضر لجزر القمر، ومن يدري؟.. قد نمتلك أيضا تلفزة عملاقة تتشبَّهُ "بالجزيرة"، نُسمِّيها "المحيط"، نُصرِّف بها الفعل السياسي من منطِقِنا في المغرب، بعد أن خذلت "الجزيرة" أوهامنا بتصريف الفعل الحضاري من منطِقِنا في المشرق، حين اكتشفت غفلتنا أنَّ منطقَها هادم للمقدسات السياسية، بدءً من فكرة الدولة وليس انتهاءً بمؤسساتها.

ومن يدري أيضا؟.. فبريع غازنا قد نمتلك تنظيما إقليميا منزوع الجُموح، يتسمى ظاهريا جماعة الإخوان "المُسَالِمين" ننشر به الإسلام، ونحفظ به السَّلام ونحقق الأحلام.. فتنظيمنا سيُسقط الإرشاد والإنشاد، وتقمُّص السّداد ..

سنمنح البئر الأصغر للشعب، ونمنح الأكبر للسَّاسة والحقوقيين، وكبار الناخبين والباعة المتجولين للولاء،.. ونشرك فيها كل فارغِ يدٍ من المنظمات والمنصَّات، نُشرك كل مُدوِّن محترف، رفع التملق لمرتبة الشرف، وكل صحفي لا يحمل صفة لائقة أمام اسمه، فنغنيه عن تحبير جداره يوميًّا بباهت الكلام.. 
سيكون رجل السياسة أكثر حظا وحظوة في البئر من بقية الكشكول، فهو عميق النَّهم، له طمع لا يَهْجَع ولا يَخضع لسُنن الفاقة الحتمية في بلد الفقر، يتوزَّع على أكثر من صفة، وينعم بشيء يشبه إرضاع الدولة لقاصر أشيب مُعال حتى الموت، امتيازًا لا استحقاقًا،.. ومنذ ستينات جيل المَنشأ وهو يُمارس هواية جمع العُملات.. الغريب أنِّي «لم ألقَ في الستين من لم يُفطم» غيره.

وإلَى منْ نكل السقاية من البئر الأكبر؟!
لو كان لي من الأمر شيء، لولَّيتُ أمرها سيَّد شهداء السُّفن السِّياحية، ولمَ لا؟،.. فقد فتنتُ منذ أيام برُؤَى تنظيرية له كُشِفَت عنها حُجُب الصّوتيات، ومع أنه تنظير أُنشئَ من الصِّفرِ الاقتصادي، إلا أنه سَلِمَ هذه المرة على الأقل من الارتطام باستعارات قصص الأبواب السفلية.. ويقيني أنه "سيُبَحْبحُ" روحيًّا في السَّقاية النفطية،.. فرغم أن البئر سعودية سيكون في ثوابها نصيبٌ لا يغيب لموتى التِّركْ وأحياء غزَّة، وسيرتفع الدخل السنوي للفرد "الملتزم"، ليَشبع ويُشبع العيّال بمال حلالٍ في المذاهب الأربعة!

في الأثناء ستتولى قناة "المحيط" بث مواقف نضالية طوباوية لشهيد السفينة، وبث تجليات رقيقة العِبارات، مُختَنِقة العَبَرات، شَـهِدَتْ بها عليه عُدُول الدَّمع النّضالي الحنون، منذ دهر "قِفَا نبك" في البرلمان.

مفيدة لنا نظريات "الشيخ غلام" لمكافحة المسغبة النفطية، ومطرب هو  "الصراخ الاستعطافي"، لولد سيدي مولود،.. لعبة قديمة متجددة، حين يلعب قومهما على حبلين مشدودين في تقاطع بين حسابات التكلفة السياسية وريع الفوائد الانتخابية،.. بين ركوب المطالب المبررة للمواطن البائس، الراكد في قرار الشُّح اليومي، وبين التكتيكات العقلانية للتيار،.. فكثيرا ما غلَّفتِ الجماعة أهدافها بالمصلحة الوطنية،.. سينزل الإخوان في "مظاهرات" لَمِّ الشمل، للدفاع عن قدرة جيوب ناخبيهم، وسيركبون مطية المظالم الناشئة عن التذمر من عجز السياسات العامة عن توفير الخدمات الأساسية، .. هكذا فعلوا في كل البلدان لتجنيد مزيد من الأصوات الشاردة، ولحصاد سنين من العمل الرتيب على اضعاف الدولة وادخالها في صراعات عبثية مع مواطنيها، وإدخال مواطنيها في صراعات شرائحية بيْنِيَّة بهدف خلق "مُجتمع مُتخيَّل!"..

 شَاغَلوا الجميع عن التَّنمية بالسياسة، وأشغلوا الدولة والسّاسة عن المواطن بالسَّياسة، وها هي موالاة الشَّتات من تيَّاب المعارضة تتحسَّر اليوم على زواجها العرفي ذات ثقة من الإخوان : «هيَّمتني تيَّمتني .. عن سواها أشْغلتني».. والنتيجة!، تجاذبهما حول فاقة تستدعي "استنفارًا" للمواطن إلى "رگ المحشر" الإخواني ليخبروه أنه منحوس!.. 

بقتلها نفسها طمعا، ستتحمل المعارضة التقليدية مسؤولية التعجيل برفع التيار الإسلامي إلى سقف أهدافه فوق رقابنا، وباحتضانها المفتوح له، ستعين الدولة تيارا عابرا للقارات، لا يعرف حدودا للاّمعقول إلى الانفراد باللعب على رقعة شطرنج السياسة الوطنية.. اللسان يلهج بذكر البنزين والقلب ربما على الغاز. 

لكن،.. هل يُجدي قول مثلي من حزب الكَنَبَة المتفرج سلبًا، إنّ خطر هذه الجماعة يحوم بقوة؟، وإنَّها تُكافح في سبيل تجذُّر محليٍّ بعد اقتلاع إقليمي وإضعاف دولي،..

لكَ الله يا وطنًا آمنتُ به حدَّ الانصهار، وما زلتُ أتعلَّقُ بخيوط ذلك الإيمان.

تحياتي.