بنشاب : منذ نشأة الدولة ومع بداية رسم خطوط السياسة الاعلامية الاولى للدولة الوليدة كرّس الاعلام سياسة النظام و سعى للتعريف به كحاضن وحيد و كمنفذ اوحد للولوج للدولة الوطنية فانتج اعلاما رسميا محدود الآفاق يقتصر على الترويج للنظام المسيطر على سدة الحكم مقابل اهمال الترويج لوطن وليد لكل المؤمنين ولكل المحتاجين اليه والمفارقة الكبيرة هي ان من استحوذ على الدولة واعلامها ليسوا هم من يحتاجونها حصرا بل إن الذين انهكتهم حياة القهر و الخوف والسخرة كانوا هم اقل المستفيد وهوو ما سبب التراكمات التي يدفع الوطن اليوم ثمنها في لحظته المفصلية هذه .
إن اقتصار رؤية المخططين الأوّل لحاجات التأسيس الآنية واهمال مستقبل البلد القريب والبعيد شكلت البوتقة التي صهرت سياساتنا الاعلامية وكرّست في الذهنية اسبقية النظام وبقائه و الدفاع عنه والترويج له على حساب الجمهورية ذات الشعب الواحد والقانون الواحد والمستقبل المفتوح دون مواجهة السلبيات المرتبطة بعقلية المجتمع البدوي العتيق الخارج من تحت جنح الخوف ومن بين الصراعات العبثية والداخل بدهشة تحت قبة الوطن الجديد شكلا المستسلم لإرادة النخبة المسيطرة مضمونا وواقعا .
أمشاج بداية الاعلام اصيبت في مرحلة تطورها الطبيعي وتوقفت ولادته عند مفاهيم الغرض الاول وهي الوضعية التي سيطرت عليه وعلى القائمين عليه حتى كأن حقبا مديدة من عمر الدولة إقتصر جهدها الاعلامي على تمجيد النخبة المسيطرة رغم ان من بينها من لا يستحق الذكر احرى الثناء الذي طبع الخطاب الاعلامي وهي الوضعية التي أنتجت إعلاما يعيش على الولاء المادي ولا يستطيع ان يخرج من تحت عباءة النخبة السياسية التي عزز نفوذها الاندماج الضمني مع النخبة الثقافية الاجتماعية فكانت محاولات تحرير الاعلام من مرجعيات التأسيس الفجائي تواجه كل مرة مقاومة شرسة من لدن الورثة واحفادهم لذالك تلاحظون ان ما تحقق في العشرية من تصدر الاعلام الوطني قوائم الترتيب وما توفر من وسائل تشجيع اسرته يواجه اليوم ارادة سياسية رسمية وشبه رسمية اثرت في ترتيبه و فرضت ولاء قياداته التي استفادت من حق تمثيله و ادعاء تنظيمه و تكوينه فافرغت جهود العشرية التي حررت الفضاء السمعي البصري و أحدثت نقلة في مجال الصحافة الالكترونية والورقية من مضمومنها واستطاعت النخبة الالتفاف على كل محاولة اصلاح وظلت النقابات المهنية والمؤسسات الوصية مجرد مصادر ثراء للبعض ممن يرضى الدخول في اكراهات السياسة وسيطرتها وقد اثبتت التجربة الحالية ان اغلب المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والخاصة ونقابات الاعلام عاجزة عن تأدية مهامها وهو ما انعكس سلبا على واقع الاعلام محليا ودوليا ودجّن اصحاب الجرأة على الرضوخ لوجهة النظر السياسي القاهرة كما ان دور التشكيلات السياسية كان هو الآخر محصورا في الترويج لبعض اشخاصها وهي عوامل اجتمعت وادت الى فقدان ثقة المتلقي و دمرت مهنية السلطة الرابعة و تحييد دورها وابعاده عن المرجو منه .
وما لم تتمكن الكوادر البشرية الاعلامية من فرض احترامها وتغيير الصورة التي ارتسمت عنها في ذهن المواطن و في اذهان النخبة المتحكمة فسيظل التدهور والتراجع والسقوط في حضيض سلة مهملات الوطن الملآى بكثير من مكاسب و انجازات الوطن هذه الايام