خرج فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في يوم تنصيبه تحت قبة قصر المؤتمرات و اطلق اعترافاته المشهودة عبر أقصى تمدد سبق أن وصلته حباله الصوتية منذ برز إلى الإعلام، و قال بعد انحناءة وتر التأثر الباكي الذي لحن به جملة "أخي وصديقي فخااااامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز"، أن البلد شهد فترة ازدهار و تقدم و عرف نهضة تنموية شملت جميع المجالات ميزتها بصمة محاربة الفساد … ولم يترك مفردة من قاموس الإشادة و المدح و الاطراء إلا و أوردها مقلمة و منمقة أنيقة و مبهرجة باذخة و بسيطة.. صفق الإتحاد و زغردت الجمهورية و أشاد المناضلون السابقون و اللاحقون و زكت الأغلبية شهادة الرئيس و اختلفت ردود الأفعال على وجوه الحاضرين فسالت مدامع قوم ترجمة لغصة الرئيس الجديد و حزنا على فراق السابق بينما اختار آخرون التعبير عن سعادتهم بنجاح الرئيس المغادر في تحقيق أكبر إنجاز للبلد باختياره الرئيس الجديد لخلافته فانشقت مباسمهم حتى تخطت منابت آذانهم، كأنها قناع جنون انبلج فجأة من تحت وقارهم أو هي كمامة براءة فرحة سرعان ما ابتلعها لؤمهم و سوء طويتهم.. بعد ذلك بأقل من السنة!
استلم الرئيس الحالي زمام الدولة و بدأ سلسلة اجتماعات سياسية تهدف إلى تحقيق نبوءة الإجماع الوطني التي أطلقها أحد الداعمين أثناء الحملة الانتخابية تفاؤلا، فلامست هوى في نفس فخامته أنسته العمل على تحقيق تعهداته الكثيرة و المتعددة لشعبه، فتفرغ لإرضاء كل السياسيين و منحهم الترضيات و تنفيذ مآربهم و ما تهوى أنفسهم، و لأن استهداف الرئيس السابق ظل لسنوات صمغ حقد بين أضراس القوم، يمضغونه بهستيريا مبالغ فيها مصدرها العجز، بادر إلى تقييد صديقه و اقتياده إلى مقصلة الانتقام أضحية فخمة للمتعطشين لإخماد نيران غلهم التي تصاعد سوادها إلى وجوههم و أظلم أرواحهم.
بقي الشعب في حظيرة آماله يلوح على مدى سنوات ثلاث للرئيس و بعد أن كان يحلم بالقطارات و الجسور و المدارس و المستشفيات و بقية الشعارات التي وردت في كتاب التعهدات صار الشعب يضرب معالق الجوع على أقداح الاستجداء يريد مأكلا و مشربا و خدمات صحية وتعليمية، يريد بكل اختصار هبوطا آمنا _بعد الاقلاع المتهور _على مدرج المستوى الذي عاش فيه خلال العشرية..
لكن لم تكن هنالك آذان و لا أقلام و لا أبواق لتلك المآسي الوطنية، فالكل منغمس في المشاركة في محاولة نحر الأضحية، و كلما توهموا إركاعها وحملوا إليها سيوف الموت، أكتشفوا أن أسلحتهم شمعية تذيبها شمس الحقيقة، والشعب الجائع العطش المريض في قفص الحجر و تحت قرع عصي القمع و تحشو أفواهه بيانات التهديد و الوعيد، و تنغرس في خاصرته خناجر الإعتداء الخارجي على طول الشريط الحدودي!
وفجأة في يوم غائم وعلى الأراضي الاسبانية خرج فخامة الرئيس عن صمته ليبدأ نضاله الراقي المعارض لنظامه عبر سلسلة تصريحات بدأها بمصارحة الشعب بفقر بلده و بتنامي نسبة التسول بين شعبه و بانعدام الكهرباء و الماء في مدنه و عواصم ولاياته، مرورا بانتقاده لطريقة تسيير الإدارات و اعترافه بالفساد و اعتراضه على غطرسة نظامه و مطالبته للقطاعات بتقريب الإدارة من المواطن..
فاستبشرت الأغلبية باعتراف الرئيس بعجز النظام الذي تتمترس خلفه! ، و أشادت المعارضة السابقة بأهمية اطلاع الرئيس على حقيقة بؤس الشعب في ظل حكمه!، و استقالت الحكومة التي عجزت عن أداء مهامها، لتتهجم عليها الأغلبية وتحملها كامل المسؤولية عن ما عرفه البلد من بؤس بسبب فشل النظام…
وبعد يومين أعاد الرئيس ثقته في نفس الحكومة مع تعديلات طفيفة و تبديل لبعض الأدوار، أخشى أن لا يصدقني القراء حين أحدثهم عن إشادة نفس الأغلبية بحنكة الرئيس وسداد رأيه في إعادته للثقة في نفس الحكومة!!!
و بالأمس نقلت بعض وسائل الإعلام عن وزير الداخلية قوله بأن التسول ظاهرة مشينة وغير لائقة، ويجب التصدي لها!
لا نحتاج طبعا إلى تذكير أنفسنا بأنه وزير داخلية نفس البلد الذي صرح رئيسه بفقره و بارتفاع نسبة التسول فيه نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية لشعبه !
وفي طرف آخر من الصورة يشرف وزير الخارجية على مساهمة موريتانيا بمبلغ مليون دولار في إنشاء الوكالة الانسانية الافريقية و يجمع الحزب الحاكم التبرعات لترميم مدارس قطاع غزة بينما توفي تلميذ الأسبوع الماضي في موريتانيا بعد سقوط قسم دراسي عليه!
لابد أنكم تدركون أنه وزير خارجية نفس البلد الفقير و رئيس حزب الأغلبية الداعمة لرئيس نفس البلد؟!!!!