بنشاب: محاربة الفساد على الورق و محاباة المفسدين في الواقع ، هكذا هو نهج هذا النظام الذي في عهده تشكلت الطبقية بثوبها الجديد والذي يظهر على هيئة دولة مطوقة بالنفوذ ومحصنة بالزبونية لتكون موازية ( عن بعد ) لعالم المطحونين ، في إشارة مفادها ان هذا النهج مستند إلى ( اطعميز) و ( المحگرانية) ، فحسب المشروع هنالك ضرورة الارتقاء عن العالم السفلي الذي لا يسمح له بالرفع من وضعية الخنوع ،وهكذا تحتكر زمرة من الفاسدين أسباب الرزق وموارده، لتنهمر العائدات تدفقا انسيابا في حساباتهم، فتملأ الجيوب، وتخفي العيوب، والخطير في الأمر، أن هذه النفوس، التي دأبت على التربح والاغتناء، تتملكها رغبات غرائزية جانحة، للاستمتاع بما كسبت، ويصير نمط حياتهم وشعورهم خارج السياق، فتطغى على سلوكيات صنوف العنجية والغطرسة والاستكبار.
وحين يحتكر هؤلاء المفسدون سبل الرزق والارتزاق، تتخذ تدفقات المال مسالك على حسب أهواءهم، فتجدهم بمقابل ذلك، يبخسون الناس أشياءهم، فتجف ينابيع ومسالك الاقتصاد الطبيعي، المبني على الجهد والبذل، وتتضاءل فرص الكسب الطبيعي، في مقابل انتعاش مسالك الاقتصاد الغرائزي، المبني على الاستمتاع وقوة الإغراء والخداع، في علاقة غير عادلة، يستنفع من خلالها طرف، بضرر يلحق طرفا آخر، أو يستلذ طرف بمعاناة طرف آخر.
وفي خضم هذا الانقسام تتبرزخ قطعان المنافقين تستنشق طمعا ثم تنستنفر بعد ذلك ذلا ونذالة.
وختامها بأبيات لأحمد شوقي ، ثم لندع بعد ذلك التاريخ يلعن ترانيم العار والسخط في صفحاته .
ما كان في ماضي الزمان محرما ** للناس في هذا الزمان مباح
صاغوا نعوت فضائل لعيوبهـــم ** فتعذر التمييز والإصــــلاح
فالفتك فن والخداع سياســــة ** وغنى اللصوص براعة ونجـاح
والعري ظرف والفساد تمــــدن ** والكذب لطف والرياء صــلاح