بنشاب : هدأت عاصفة التحاليل والتعاليق على شكل الحكومة الجديدة، وصار الجو مناسبا لرؤية المضمون والتعليق عليه.
قبل تشكيل الحكومة، تساءلت إن كان غزواني سيختار حكومة انتخابات أم حكومة إصلاحات ( في التعليق الأول ) ويبدو أنه لم يفضل حكومة انتخابات فقط بل وحرص على أن تكون حكومة حرب أيضا ( الحرب الداخلية ضد الخصوم طبعا كالعادة، وليست حرب الدفاع عن الوطن والمواطن ) .
كما أن تشكيلة الحكومة الجديدة توحي بوأد للحوار الوطني السياسي الذي قبله النظام وبدأه بخطوات خجولة بطيئة .
1 - حكومة انتخابات.
ولا أدل على ذلك من إسناد وزارة الداخلية لولد لحويرثي الذي يعتبر أمين سر الرئيس ويده اليمنى وعقله المسير لشؤون البلد وثقة الثقات عنده، صديق طفولته وشيخوخته.
ولد لحويرثي، تشكل خبرته في تنظيم الإنتخابات و" تسييرها " طوق نجاة لولد غزواني وضمانا له من صفعة من الشعب في الإنتخابات التي تقف على الأبواب ( البلدية، التشريعية، والرئاسية ) وكل المؤشرات والمعطيات تصرخ بتدني شعبية الرئيس وحزبه نتيجة فشله في تحقيق أي من تعهداته للمواطنين بل وتدهورت في ظل حكمه كل الخدمات العامة زيادة على تدويره للمفسدين وانتشار الفساد والمظالم وتبذير مئات المليارات من القروض والمساعدات التي حصلت عليها البلاد ، وتذيل البلد كل تصنيفات المنظمات والهيئات الدولية.
ولد لحويرثي في الداخلية، سلاح غزواني بحدين ، أولهما أنه " خبير تسيير انتخابات " حيث عمل حاكما في أكثر من مقاطعة قبل أن يعين أمينا عاما لبلدية نواكشوط في عهد العمدة الداه ولد الشيخ ..
كما عمل كذلك مستشارا فنيا لوزير الداخلية واللامركزية المرحوم لمرابط سيدي محمود ولد الشيخ أحمد قبل أن يختاره المجلس العسكري في الحكومة الانتقالية الأولى 2005 -2006 وزيرا للداخلية والمواصلات ..مشرفا منظما و" مسيرا " لانتخابات 2007 الرئاسية ( صورة بالتعاليق ) .
الرئيس الراحل اعل ولد محمد فال كثيرا ما كان يصفه فيقول بأنه يمثل طالع سعد porte bonheur للمجلس العسكري ..... وقد كان لحويرثي طوال تلك الفترة - إلى جانب الوزير حبيب ولد همت الوزير الأمين العام للرئاسة - يشكلان النواة الصلبة والقوة الدافعة في المرحلة الانتقالية وخاصة في ما يتعلق بتنظيم الحوار الوطني .
والأهم أن لحويرثي هو أيضا من نظم المسلسل الانتخابي خلال تلك المرحلة، وسينتقل بعدها من قطاع الداخلية إلى الخارجية كسفير بتركيا ل 8 سنوات قبل أن يعين سفيرا بباماكو ثم ظلا لغزواني منذ إعلان ترشحه للرئاسة حتى اليوم.
ومن أوجه كونها حكومة انتخابات، عزل وزراء لا أحلاف قبلية سياسية خلفهم، واستبدالهم بمن هم أكثر علاقات وحضور في مجال الأحلاف التي كان وما يزال النظام يعتمد عليها كركيزة أساسية في الإنتخابات، وهكذا تم الاستغناء عن وزراء الخدمات التي تمس واقع وحال المواطن كسيدي ولد الزحاف وزير الصحة الذي منحت وزارته لحلف قبلي سياسي بتعيين جمركي عليها في سابقة أغرب من الخيال تشكل جريمة في حد ذاتها في حق المواطن وقطاع الصحة، ومريم بنت البكاي والطالب ولد سيدي أحمد، ووزير الزراعة سيدنا ولد أحمد أعلي، ولو أنه كانت لدينا مآخذ على سرعة هؤلاء الوزراء في التحسين من أداء قطاعاتهم إلا أنهم كانوا كعربات قطار لا يمكنها أن تتجاوز قاطرته أو تكون أسرع منها، وقاطرة القطار كانت ومازالت بطيئة جدا بل متوقفة أحيانا، ثم إن وزراء الحقائب السيادية لم يكونوا بأحسن أداء منهم، فبأي منطق احتفظوا بحقائبهم ( ولد حننا، ولد بيه، كان عثمان ، .. وولد مرزوك والناها منحت لهما حقائب جديدة ) ، التفسير الوحيد هو أن ما يهم النظام بتشكيلة الحكومة الجديدة هو إرضاء زعماء الأحلاف القبلية السياسية لا المواطنين.
2 - حكومة حرب .
حرب غيمتها دخلت سماء المشهد الوطني في انتظار أن تمطر ( أو تغادره بقدرة قادر أو تكون غيمة عقيمة في المجال على الأقل ) ، حرب على الخصم السياسي الرئيسي المتمثل في المشروع السياسي الحقوقي إيرا- حزب الرگ خاصة والحقوقيين عامة وقد تطال السياسيين إن هم رفضوا ما ستتمخض عنه انتخابات الوزير ولد لحويرثي، وستتم محاولة كسر شوكة هذا المشروع ( الخصم ) وشيطنته من جديد وخلق عدو منه لأجل تمرير نتائج انتخابات ولد لحويرثي الثلاثة .
وسيكون ولد لحويرثي .... إدريس بصري موريتاني خلال الفترة القادمة الحبلى بعودة قوية للنظام البوليسي.
وقد انتدب وجهز ولد مرزوك لعملية " تسويق " النظام ونتائج انتخاباته وسياسة قمعه لمنظمة إيرا وغيرها خلال الفترة، فالوزير سيحمل معه أغنية وسيؤديها في المحافل الدولية، ومن كلماتها " أنا حرطاني وكنت من حركة الحر والكادحين والآن وزيرا للخارجية .... فهل هناك دليل أكبر على ديموقراطية نظام غزواني وعدم تهميشه وغبنه للحراطين " ما يحصل بالبلد هو مجرد فرض للأمن وقطع أيدي خارجية تتآمر عليه و ....Bla Bla Bla
تماما كما حاول معاوية ولد الطايع خلال التسعينيات، وليس أنسب من ولد مرزوك لإعادة تلك السياسة، فقد تقلد عدة وظائف سامية ووزارات في ظل حكم ولد الطائع ، وكان آخرها رئيسا لمنظمة استثمار نهر السنغال ل 3 مأموريات قبل ضلوعه في عملية فساد كبيرة كادت أن تبقيه في سجن بدكار لسنين.
ستكون هذه الحرب التي وضعت بيادقها ورصت في مواقعها بالمشهد، أكبر حماقة لغزواني، فهو أضعف بكثير من عزيز وأقل منه إنجازات وقبولا شعبيا وحضورا دوليا، والكل يعلم كيف عجز طوال 11 سنة من الحرب على المشروع السياسي الحقوقي إيرا - حزب الرگ وزعيمه الرئيس بيرام الداه بكل وسائل الدولة المادية والأمنية والإعلامية من كسر شوكته بل ازداد شعبية وقوة وانتصارات بالداخل كما في المحافل الدولية، وستكون القشة التي قصمت ظهر البعير والقطرة التي أفاضت الكأس.
3 - وأد الحوار .
باختصار ...
إن تعيين رئيس الحزب الحاكم ولد أعمر طالب وزيرا في الحكومة، وتعيين نائبه ولد أحمد الواقف أمينا عاما للرئاسة، يجعل الحزب الذي كان مشرفا على الحوار أو على الأقل ماكينته، بلا رأس وبلا ذراع، حيث أن المعينين كانا من يقود وينظم الحوار، كما أن الإنتخابات صارت على الأبواب.
مما يشي بأن النظام لم يكن جادا في الحوار أو تراجع عنه، وهو صفحة قلبت بحيث فتح النظام صفحات أهم لديه منها، صفحات الإنتخابات وما يدبر من حرب على القوى الحقوقية بالبلد تزامنا معها.
حسن آب .