موريتانيا ليست دولة فقيرة يا سيادة الرئيس!

اثنين, 21/03/2022 - 12:29

تابعت مؤخرا تصريحات السيدالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في مدريد و قد أشار فيها إلى أن موريتانيا بلد فقير و استشهد على كلامه بتصنيف الأمم المتحدة و وضعية بعض السكان المزرية الذين قد يبيتون ليالي دون أن يجدوا ما يأكلون.

جميل أن يكون رئيس الجمهورية صريحا و صادقا مع الشعب و الأجمل أن يكون على هذه الدرجة من الإطلاع على مدى البؤس و الشقاء الذي لحق بشعبه،غير أن فخامة الرئيس لم ينتبه إلى الأخطاء الكببرة التي بنى عليها حكمه بأن موريتانيا دولة فقيرة.

أولا) تصنيف الأمم المتحدة: لا تهتم الأمم المتحدة عند تصنيفها للدول الفقيرة بثروات  الدولة المصَّنفة و لا بسياساتها الإقتصادية و لا بمدى إختلال توزيع الثروة بين سكانها و إنما تكتفي بتعداد عدد الفقراء في تلك الدولة و تصنيفهم حسب الحاجة الماسة لأساسيات الحياة الإنسانية الضرورية و ذلك لتحديد و توجيه و برمجة التدخل الذي يحتاجه أولئك الفقراء، و سأكتفي هنا بالتذكير بأن الأمم المتحدة في هذا الوقت تصنف سوريا التي كانت من إجمل بقاع الدنيا و ألذها عيشا و العراق بلد النفط و أعرق الحضارات الإنسانيةو الشعب المتعلم مائة في المائة أيام الراحل صدام حسين و اليمن العريق تصنف الأمم المتحدة إذن هذه الدول على أنها  أكثر الدول العربية فقرا بعد موريتانيا في التصنيف الأممي! و ذلك بسبب عدد اللاجئين في هذه الدول التي دمرتها الحروب و أصبح فقراؤها يعتمدون على تدخل برامج الأمم المتحدة لتوفير الغذاء و الدواء، لكن ثروات هذه الدول و قدراتها الإقتصادية و البشرية مازالت قائمة إلا أنها معطلة بسبب الحروب و الدمار تماما كما تعاني ثروات موريتانيا و طاقاتها التنموية و البشرية من التعطيل بسبب الفساد و عدم الكفاءة في التسيير و سوء التعليم و هجرة الكفاءات و غير ذلك، و لا يعني هذا التعطيل أبدا أن الدولة فقيرة.

ثانيا: إن وجود الفقراء في موريتانيا لا يعني بالضرورة أن الدولة فقيرة بقدر ما يعكس الخلل العميق الذي تعاني منه سياساتنا الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية و الإستثمارية و عدم قدرتها على مواكبة و نهوض الإنسان الموريتاني، و هنا أيضا سأكتفي بمثال البنوك الموريتانية، فمعروف أن البنوك في العالم هي المصدر الأول لتمويل المشاريع التنموية و تلعب دورا حاسما في النمو الإقتصادي، إلا أن البنوك في موريتانيا لا تتعدى كونها شركات عائلية تكرس الإختلال العميق في نظامنا السياسي بتمويلها للحملات الإنتخابية و تسارعها إلى التقرب من أي حكم قائم لتثبيت، و أحيانا زيادة،  ما تتمتع به من امتيازات عمومية و خصوصية بدل المنافسة البناءة و تقديم التمويل للمواطن و تشجيع المبادرات التنموية.

ثالثا) إن الدول اليوم تعتمد على العقول و التسيير الصحيح و خلق  الفرص (و ليس اقتناصها) و الدبلماسية السحرية أكثر من أي شيء آخر. لقد حصلت أكرانيا بسبب موقعها الإستراتيجي و قدرتها على الإقناع الدبلماسي في أسبوعين من أيام الحرب من مليارات الدولارات ما لم تحققه باستغلال كل مصانعها في أيام السلم خلال الأعوام الماضية، كما أنها استطاعت تجنيد العالم لإعادة إعمارها ما بعد الحرب في الوقت الذي تحاصر فيه القوات الغازية عاصمتها و تشل استغلال كل ثرواتها.

رابعا) لقد أوضحت في مقال سابق أيام الحملة الرئاسية الأخيرة تحت عنوان: إلى الرئيس الموريتاني القادم كيف أن الثروة الحيوانية وحدها في موريتانيا كفيلة-لو تم استغلالها على أحسن وجه- بتمويل النهوض بالإقتصاد الموريتاني، و بما أن ما جاء في ذلك المقال من فرصإستثمارية و اقتصادية لايزال قائما بل تعززت احتمالاته  أكثر بسبب الإرتفاع المفاجئ لأسعار الطاقة فإنني سأعيد نشره هنا حتى يفهم الجميع أننا بلد الفرص الضائعة و التسيير الفاسد و السياسات البدائية الفاشلة  قبل أن نكون بلدا فقيرا عاجزا عن توفير الغذاء لشعبه.

إن أهم إنجاز قد يحققه الرئيس القادم لموريتانيا هو الإعلان عن اليوم الوطني للإكتفاء الذاتي من الغذاء، والقضاء على البطالة، وهو ما يمكن تحقيقه خلال ثلاث أو أربع سنوات على الأكثر من خلال هذا العرض المبسط.

يُعْتبر الغاز الطبيعي من أهم مصادر الطاقة في العالم نظرا لنظافته البيئية وأسعاره الرخيصة، ولذلك يبلغ مستوى الطلب عليه ثلث أضعاف الطلب على مصادر الطاقة الأخرى.

لقد أظهرت نتائج التنقيب أن احتياطي موريتانيا من الغاز قد يصل إلى 50 ترليون قدم مكعب ، تم التأكد من 25 ترليون قدم مكعب منها في حقل السلحفاة الذي سيبدأ استغلاله ابتداء من 2021، وقد تم الاتفاق بين موريتانيا والسنغال على تقاسمه بالتساوي، أي أن نسبة موريتانيا من هذا الحقل هي 12,5 ترليون قدم مكعب أي ما يناهز 100 مليار دولار، نعم مائة مليار دولار إذ يُجمع الخبراء على أن أسعار الغاز ما بين 2020 و 2035 ستتراوح ما بين 6 دولارات إلى12 دولار لكل مليون وحدة من الطاقة الحرارية.

مليون وحدة حرارية تقابلها تقريبا 998 قدم مكعب من الغاز.

وباعتبار أن الغاز الموريتاني يمكن بيعه في الأسواق العالمية في الفترة ما بين 2021 و 2035 بمعدل 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية فإن سعر الحصة الموريتانية من حقل السلحفاة (12,5 ترليون قدم مكعب) ستكون تقريبا 100مليار دولار.

إن اقتراض 15% من هذا المبلغ (15مليار دولار) من المؤسسات المالية أمر بسيط يجب أن يكون أولوية للرئيس القادم ويتم تسديد هذا المبلغ من عائدات الغاز ولفترة زمنية يتم الإتفاق عليها مع المُقرضين.

 إن حصولنا على هذا المبلغ (15 مليار دولار) سيكون الانطلاقة الفعلية نحو الاكتفاء الذاتي، وامتصاص البطالة بشكل نهائي، وذلك على النحو التالي:

إنشاء مؤسسة وطنية تسمى المؤسسة الوطنية للاكتفاء الذاتي برأس مال قدره 15مليار دولار أمريكي، تتفرع من هذه المؤسسة ثلاث شركات وطنية تتبع لها وتنسق بينها وهي:

  • الشركة الوطنية لتسيير القطاع الزراعي.
  • الشركة الوطنية لتسيير الثروة الحيوانية
  • والشركة الوطنية لتسيير الثروة السمكية.

 توجد في موريتانيا 500ألف هكتار جاهزة للاستصلاح ويمكن أن تضاعف هذه المساحة بشق القنوات المائية وتشييد السدود والبحيرات الاصطناعية كما توجد فيها ثروة حيوانية هائلة تقدر بأكثر من 23 مليون رأس، كما أن السواحل الموريتانية من أغنى الشواطئ العالمية بالأسماك لأسباب طبيعية معروفة جعلها الله نعمة لهذا الشعب المسلم.

إن استثمار المؤسسة في هذه الشركات الوطنية سيكون كما يلي:

  • رصد مليار دولار للتسويات الإدارية والعقارية والقضائية (شراء، تعويض، تأجير,,,إلخ).
  • رصد 2 مليار دولار لشق القنوات المائية، وتشييد السدود واستصلاح الأراضي الزراعية بما في ذلك 500ألف هكتار إضافية.
  • رصد مليار دولار لإنشاء مصانع لمعالجة وتصنيع وتخزين المنتجات الزراعية (أرز، قمح، ذرة، خضار…إلخ).
  • رصد مليار دولار لتشييد مصانع على امتداد الأراضي الزراعية لصناعة وتخزين علف الحيوانات.
  • رصد مليار دولار لإنشاء مصانع لبسترة وتجفيف الألبان، ومعالجة مشتقاتها (العصائر، الجبنة,,إلخ).
  • رصد مليار دولار لإنشاء مصانع كبرى لمعالجة وتصنيع وتخزين اللحوم ومشتقاتها.
  • 3 مليارات لتشييد البنى التحتية اللازمة لقيام هذه الثروة الاقتصادية بما في ذلك إنشاء سكة حديدية على امتداد الضفة الجنوبية للربط بين الشرق والموانئ الموريتانية، لتأمين تصدير المنتجات الزراعية والحيوانية.
  • رصد 2 مليار دولار لإنشاء مصانع عملاقة لقيام صناعة وطنية لجميع المنتجات السمكية مع مراعاة معايير المنافسة الدولية.
  • عدم تجديد أي اتفاقية للصيد، والشروع في مفاوضات من أجل تصدير منتجات المصانع الوطنية آنفة الذكر.
  • زيادة فترة الراحة البيولوجية لزيادة الثروة السمكية.
  • رصد مليار دولار لتكوين وتأهيل وإعادة تأهيل اليد العاملة وتبادل الخبرات لإدخال التقنيات.
  • رصد 2 مليار تحسبا لأي مضايقات خارجية عند الامتناع عن تجديد اتفاقيات الصيد والشروع في الصناعة الوطنية أو تحسبا للكوارث الطبيعية.

 النتائج المتوقعة:

  • على اعتبار أن الأرض يمكن ان تزرع مرتين على الأقل في السنة فإن عائدات الشركة الوطنية لتسيير القطاع الزراعي والشركة الوطنية لتسيير الثروة الحيوانية ستكون كما يلي:
  • 700000 طن من الأرز سنويا أي ما يعادل 3 مليارات دولار.
  • 1500000 طن سنويا من المنتجات الزراعية الأخرى (قمح، ذرة ، شعير ، خضروات…إلخ)، وهو ما يعادل 4,5 مليار دولار (قد يتضاعف هذا المبلغ بإدخال التقنيات الجديدة، خصوصا على الخضروات).
  • 200000 طن من اللحوم أي ما يناهز 2 مليار دولار.
  • 500 مليون دولار من المشتقات الأخرى (الجلود، الدهون، العصائر، الجبنة..إلخ).
  • 1 مليار دولار عائدات الألبان.
  • 1 مليار دولار عائدات مصانع علف الحيوانات.

أما عائدات الشركة الوطنية لتسيير الثروة السمكية فستناهز 6 مليارات من الدولار سنويا، وتعود هذه القفزة الكبيرة إلى عائدات التصنيع الوطني ووفرة السمك نظرا لتوقف النهب من الشركات الأجنبية، وزيادة فترة الاستراحة البيولوجية السنوية، وارتفاع أسعار السمك نظرا لعدم تجديد الاتفاقيات.

إن هذه الثورة الاقتصادية في هذه الشركات الثلاث ستمتص وبشكل نهائي كل المواطنين العاطلين عن العمل، وستحتاج الدولة إلى استيراد اليد العاملة من الخارج، وستكون عائداتها السنوية مجتمعة تقدر ب18 مليار دولار أمريكي.

ملاحظة:                                    

 قد تتضاعف الثروة الحيوانية كل 5 سنوات أو يتضاعف منتوجها، وهو ما يجعل منها قوة اقتصادية يجب الاعتماد عليها كرافعة حقيقية للاقتصاد الوطني فبرعايتها ستتكاثر وتنمو مع تكاثر ونمو المجتمع وحاجياته.

 مثال:                             

إذا كانت عائدات هذا القطاع في 2022 هي 3,5 مليار دولار كما هو مخطط له في هذا العرض، فإن عائداته في العشرين سنة القادمة ستكون على النحو التالي:

  • 2022 = 3,5 مليار دولار.
  • 2027 = 7 مليار دولار.
  • 2032 = 14 مليار دولار.
  • 2037 = 28 مليار دولار.

لكم أن تتخيلوا أنه لو تم استغلال هذا القطاع بشكل سليم فقط منذ عام 1990م لما كنا اليوم بحاجة إلى نفط، ولا إلى غاز، أحرى أن نكون بحاجة إلى القروض والهبات والمساعدات.

مهما كانت نسبة الخطإ في هذا العرض المبسط فإن الإختلال سيبقى على هامش الأرباح.

أما الهدفان الحقيقيان، أي الاكتفاء الذاتي وامتصاص البطالة فهما متحققان ولن يتأثرا سلْباً بذلك. هذه الثورة الإنتاجية ستولد حركة اقتصادية كبيرة قد تكون قاعدة صلبة لقيام ثورة صناعية حقيقية في المستقبل القريب وذلك حديث آخر سنعرض له في وقته.

 هذا عرض مبسط سهر صاحبه الليالي لبلورته واختصار بياناته الاقتصادية والتجارية حتى تظهر فيه النتائج النهائية للمعادلات لتسْهُلَ مطالعته وتطبيقه، عساه ينفع الناس، أو يمكث في الأرض، لكنه سيظل حبرا على ورق، إلى أن يبعث الله له رجالا يدركون أن إدارة الشأن العام فرصة نادرة لإثبات الوطنية بتشييد إنجازات عملاقة تكون شاهدا لهم في الدنيا، ورصيدا من الصدقات الجارية هم في أمس الحاجة إليه يوم يجدون ما عملوا محضرا ولا يظلم ربك أحدا.

...طابت أوقاتكم....

باب ولد الشيخ سيديا، خبير اقتصادي و سياسي مقيم في كندا.