بنشاب : خلال السنوات الثلاث الأولى من حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز كانت البلاد قد شهدت تطورات كبيرة في شتى المجالات، مشاريع عملاقة ترى النور بعد ركام السنين، مشاريع من قبِيل الحالة المدنية التي وضعت حدا لفوضى الهويّة، فأمسى لا يملك الجنسية الموريتانية إلا مستحقها، ومكّنت من وضع استراتجية اقتصادية مبنية على أسس علمية دقيقة.
ونجحت مقاربة مكافحة الارهاب ببناء جيش قوي، بعدما كانت البلاد مسرحا لعصابات الجريمة والارهاب وبدأت الجماعات الارهابية وعصابات المخدرات تتساقط كأوراق الخريف.
ومن مصادر متعددة انطلقت مشاريع الطاقة العملاقة لتنهي عهد الظلام، وفي الأرياف البعيدة شقت مضخات المياه طريقها نحو العطاش تسقيهم في مقاطعات لم تصلها مياه منذ تأسست، بعد أن كانت مظاهر توزيع المياه على عربات الحمير لا تُلفت انتباه أي أحد في العاصمة انواكشوط، وأخذت الآليات تُعبّد الصعاب قبل الاسفلت، آلاف الكيلومترات المعبدة التي فكت العزلة وربطت بين كل مقاطعات الوطن، ليتم في ثلاث سنوات انجاز ما تحقق خلال نصف قرن من الطرق. ومضى قطاع الصحة يمخر عباب اليأس، فهذا مركز الانكولوجيا بِيَدٍ عطوف يعيد الأمل لمرضى السرطان، والمركز الوطني لأمراض القلب قلبُ الصحة وراعي قلوب الموريتانيين ثم المركز المتخصص في أمراض الكبد والفيروسات، ومركز الأمومة والطفولة، وقائمة طويلة من مراكز الاستطباب والنقاط الصحية في شتى أنحاء البلاد، مع تقريب أجهزة تصفية الكلى من المواطنين في الداخل وبالمجان! وتُوّج مسار قطار الصحة بالاستثمار في الانسان والكادر الصحي، فكانت كلية الطب التي سيتخرج منها لاحقا جيل من الأطباء الموريتانيين المكونين داخل البلاد، ويستذكر المواطن الموريتاني كيف كانت دولة بعمر الثامنة والأربعين لا تملك مرفقا صحيا يحتوي على جهاز سكانر واحد، ولا يتجاوز عدد الأطباء بها 460 طبيبا.
و لم يسبق أنْ كلّف رئيسٌ نفسه قبل عزيز ولا بعده، دخول أعرشة الضعفاء والسير راجلا في أزقة المعاناة والوجع، للوقوف على آلامهم لتحقيق آمالهم، فتم القضاء على أحياء الصفيح وفق مبدأ لكل أسرة الحق في أرض، وشُقّت الطرق وعُبّدت الأرصفة ليس في انواكشوط فحسب وإنما في كافة عواصم الولايات ليكون للمدن وجها لائقا بها.
مدارس الامتياز والمدرسة العليا متعددة التقنيات والجامعة الإسلامية بالعيون ومئات المدارس في الريف والمدن والأحياء البعيدة وفي قلب عواصم الولايات كلها، كانت شاهدة على وهج شعلة البلاد العلمية في هذه السنوات الثلاث.
و في بواكير المأمورية الأولى كانت إذاعة القرآن الكريم وقناة المحظرة والوقوف ضد "شارلي أبدو" حين أعلنها موريتانيا إسلامية لا علمانية، وطرْد سفارة بني صهيون، كلها كانت خطوات واثقة لموريتانيا الجديدة المتصالحة مع ذاتها المتمسكة بدينها الوسطي المتسامح دون إفراط ولا تفريط، متشبثة بالحسنة بين سيّئتيْ دعاة الحداثة الذين يبيعون الدين بعرض الدنيا، وغلاة المتطرفين مصاصي الدماء، انسجاما مع إشعاع بلاد المنارة والرباط، وفكاكا من أغلال عوائق العلاقة بين السلطة والدين التي كانت تابوهات في مراحل سابقة من تاريخ البلاد.
سنوات ثلاث تمت فيها مراجعة اتفاقيات الصيد التي كانت الأولوية فيها لمصالح الأجنبي وسماسرته، لتُدرج في الاتفاقيات الجديدة تشييد بنى تحتية تبقى ملكا لموريتانيا وتسمح لموانئها باستقبال غلة الصيد قبل تصديرها، وتم تحديث أسطول خفر السواحل لحماية الثروة البحرية وفُرضت كذلك حصة معلومة للشعب الموريتاني مكّنت من حصول المواطن البسيط في أقصى الشرق على السمك بثمن رخيص فيما عُرف حينها بحوتْ عزيز.
وبعدما هجر المزارعون الأرض ذات يأس، تم اصلاح آلاف الهكتارات وشُقّت قنوات المياه وشُيّدت السدود وتم إعفاء الديون، كل الديون عن المزارعين وتأطيرهم لتحيا الأرض البوار وتصل نسبة اكتفاء البلاد ذاتيا من مادة الأرز إلى 70% .
أُسّست شركة النقل العمومي التي عُرفت عند المواطن حينها بـ"كيرانْ" عزيز، وتم تأسيس الموريتانية للطيران - التي عبثت بسابقتها أيادي من يتولّون اليوم محاسبة الرئيس على "فساده" - لتُؤمّن نقل المواطنين جوا وتصون سيادة البلاد، وكان المطار الدولي الجديد في مراحله النهائية … وغير ذلك كثير، كثير، تمّ إنجازه في سنوات ثلاث ..
كانت هذه النجاحات نتيجة للرؤية الواضحة والمثابرة والصرامة في التسيير ومكافحة الفساد والمفسدين لرجل دفع من دمه وعرقه لبناء وطن آمن به وما بدّل ولا غيّر .
وشاءت الأقدار أنْ خلَفَ من بعده خلْفا أضاعوا الموجود في طلب المفقود، وهْمًا لما زعموه أموالا منهوبة من طرف الرجل الذي استلم ركام وطن فبنى وشيّد ومضى إلى سبيله تاركا هذه الكائنات الرمادية عند سفح الوهم تجترّ الإفك و الخطل !
وبعد ثلاث عجاف تمّ فيها تسخير مقدّرات بلد كامل لشيطنة رجلٍ واحدٍ، لا تزال آثار قوافل تملقهم له منقوشة على مرايا الذاكرة، لتصفيته من المشهد السياسي ظلما وعدوانا جزاء سنمار، فكانت النتيجة أنْ تعطلت عجلة التنمية وتحولت البلاد إلى دولة ريعية غنائمية، وفريسة بين فكّيْ فساد البطانة وطغيان السلطة، فباشر النظام إعادة تدوير المفسدين، وتفشى الفساد الإداري والرشوة والمحسوبية واستغلال المنصب، وإناطة المسؤولية حسب علاقات قرائبية زبونية لغير المؤهلين، مما أدى إلى تردي الخدمات الأساسية من ماء وصحة وكهرباء، وانتشرت البطالة وغلت الأسعار وتفشّت الجريمة وغابت العدالة الاجتماعية وفقدت البلد هيبتها …
وبعد العسر كانت باكورة الانجازات خمسين بيتا "وفاءً" لعهد انتخابي - لمن للعهد عنده معناه - بتشييد عشرة آلاف وحدة سكنيّة.
كانت بيوتات الطين هذه - حصاد خيبات السنين العجاف - جهد المُقِلّ الذي تلقّفته وبه تُفاخر اليوم جماعة نظام الطين!!
فلا جَرَمَ أنّ من استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير سيجني حصادا هزيلا، وفسادا يدّعي محاكمة الرشاد !!
من ص/ ذ بشير بيادة