بنشاب/: كادت موريتانيا تنتهج نفس المسار لولا أن الرئيس السابق رفض الترشح ورشح صديقه ووزير دفاعه الذي آثر فيما بعد التحالف مع خصومه السياسيين وتغييبه في السجن
الرئيس السابق مع رئيس حزب الرباط الوطني السعد لوليد الوحيد الذي وقف إلى جانبه رفقة بعض النخب المعارضة
يبدو أن محيط موريتانيا مصاب بمرض إسمه الإنقلابات العسكرية، مالي وحدها شهدت إنقلابين وأتشاد شهدت إنقلابا واحدا بينما كان إنقلاب واحد خارج المجموعة لكنه لم يكن بعيدا منها في غينيا كوناكري، وذلك فقط خلال عامين إثنين.
تفاصيل الإنقلابات :
-18 أغسطس 2020 – مالي: أطاح الجيش بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا بعد أشهر من التأزم السياسي. فرضت عقوبات دولية على المجموعة العسكرية قبل أن ترفع إثر تشكيل حكومة انتقالية في 5 أكتوبر/تشرين الأول من المقرر أن تسلم السلطة إلى مدنيين منتخبين بعد 18 شهراً.
الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، رغم أنه رئيس منتخب فقد تمت إزاحته بالقوة من طرف الجيش المالي
– 20 إبريل 2021 – تشاد: غداة وفاة الرئيس إدريس ديبي إتنو، تولى السلطة مجلس عسكري انتقالي يترأسه نجله محمد الذي كان حتى ذلك الوقت قائد الحرس الرئاسي، وأعلن حلّ الحكومة والبرلمان. وتعهد المجلس بتنظيم انتخابات «حرة وديمقراطية» خلال عام ونصف العام.
الرئيس إدريس جبي إتنو بعد وفاته وطبقا للدستور رئيس البرلمان أو رئيس الوزراء، يجب أن يتولى أحدهم السلطة، لكن نجله محمد إدريس جبي استولى على السلطة بالقوة.
– 24 مايو 2021 – مالي: أوقف الجيش الرئيس باه جاو ورئيس وزرائه بعد تشكيل حكومة انتقالية جديدة لم يرض عنها. وجرى تنصيب الكولونيل أسيمي غويتا رئيساً انتقالياً جديداً، وقد تعهد العسكريون بتسليم السلطة إلى مدنيين منتخبين مطلع 2022.
الرئيس الإنتقالي المالي باه أنجاو الذي أطاح به الجيش بعد تشكيل حكومة لم يرضى عنها الأخير
– 5 سبتمبر 2021 – غينيا: أعلن ضباط من القوات الخاصة الغينية اعتقال الرئيس ألفا كوندي والسيطرة على العاصمة كوناكري، وكذلك «حل» مؤسسات الدولة في انقلاب قد ينذر بانتهاء دور أحد مخضرمي السياسة الإفريقية.
الرئيس المخلوع آلفا كوندي
القاسم المشترك بين هذه الدولة هو إما هشاشة الأنظمة كما هو الحال في مالي، وطول فترة الحكم، أو محاولة تجاوز النصوص الدستورية من خلال السعي إلى مأمورية إضافية غير دستورية.
موريتانيا لم تكن بعيدة من هذا المسار لكن:
وكادت موريتانيا تنزلق إلى نفس المسار لو أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إختار طريق المأمورية الثالثة، رغم إغراء المقربين له وتوقيع البرلمانيين في فضيحة اهتزت لها أرجاء موريتانيا.
أطر أترارزة يطالبون بمأمورية ثالثة للرئيس السابق
وطالب أطر كل ولاية على حدى مأمورية ثالثة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، كما تجمهر النواب ووقعوا عريضة تطالبه بالترشح مرة ثالثة.
أطر مقطع لحجار يطالبون بمأمورية ثالثة للرئيس السابق
رجال الأعمال، والأطر والسياسيون والنخب والمثقفون، والكتاب، والمدونون، والفنانون غالبية أولئك طالبوا بمأمورية ثالثة للرئيس السابق. بل ذهب البعض إلى تهديده بالمحاكمة في حال ما لم يترشح لمأمورية ثالثة وهو ما حدث بالفعل.
أطر ووجهاء ولاية آدرار طالبوا بمأمورية ثالثة للرئيس السابق
ورغم كل ذلك كان جواب الرئيس السابق، لن أغير الدستور لصالحي، ولن أخالفه، وهكذا شهدت موريتانيا تحولا ديمقراطيا سلسا، لكن الرئيس السابق دفع ثمن مواقفه الشجاعة، بعد أن تخلت النخب السياسية عنه، وعاقبته بالسجن وتلفيق التهم الجزافية، واستخدمت ضده أقرب مقربيه.
الرئيس السابق، رفض المأمورية الثالثة، ورشح ودعم صديقه الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع آنذاك محمد ولد الغزوزاني الذي فيما انقلب عليه وآثر التحالف مع خصومه السياسيين
مكافئة الرئيس السابق على تسليمه السلطة هي السجن:
عقوبة لم تحرك الشعب لصالح الرجل، إذ لم يفهم الشعب الموريتاني قيمة وأهمية ما قدمه الرئيس السابق لبلده حين فضل احترام الدستور رغم ما توفر من دعم من نخب فاسدة أرادت أن تبقي على امتيازاتها وتضرب بعرض الحائط أسس وقواعد الدولة من خلال الدعوة لمأمورية ثالثة لصالح الرئيس السابق.
الرئيس السابق سجن لأنه رفض الخروج من المشهد، وأراد تقديم رأيه في قضايا وطنه وقضايا العالم. تم إعتقاله مباشرة بعد مقابلة مع فرانس24 الفرنسية
ويبقى التساؤل المطروح، أيها أولى بالنسبة للرئيس، أن يسلم السلطة ويسلم معها مصيره لرئيس غير مضمون الجانب، او يبقى في السلطة ليطيح به انقلاب عسكري أو ثورة أو عملية اغتيال من أحد المساعدين؟
الرئيس السابق مع رئيس حزب الرباط الوطني السعد لوليد الوحيد الذي وقف إلى جانبه رفقة بعض النخب المعارضة
هو الآن مسجون لأنه رفض التنازل عن حقه المشروع في ممارسة السياسة، والإدلاء بآراءه في قضايا الأمة، وسيبقى رهن السجن، ما لم يفهم الشعب الموريتاني الدرس، رغم الإشارات القوية التي قدمتها المآسي التي حلت بكل من أتشاد وغينيا وليست مالي منه بعيد.
الناطق الرسمي بإسم حزب الرباط محمد فاضل الهادي يرفض سجن الرئيس السابق ويتهم السلطة بتدبير المكائد ضده.
وستبقى إفريقيا قارة الانقلابات العسكرية، تنجب الإنقلابيين يوما بعد يوم، ما يجعل شعوبها الأكثر فقرا، والأكثر تخلفا، ويجعل حكامها الأكثر دكتاتورية والأكثر فسادا.
ولن ينجيها من هذا الوضع سوى أن تستفيق الشعوب وتحيي بشجاعة الرؤساء الذين سلموا السلطة و آثروا استقرار بلدانهم على خرابها.