للتعليق على المقابلة التي أجراها الرئيس واثارت الكثير من الغضب والسخط الشعبي، لابد من تجاوز المنطق التقليدي والاعتماد على قواعد الإستدلال الغامض في المنطق الضبابي من أجل ادراك المراد من أجوبة الرئيس رغم وضوح الأسئلة ومهنية اصاحبها.
والمنطق الضبابي او منطق اللايقين (fuzzy logic) تم اكتشافه من طرف عالم الرياضيات لطفي زاده في ستينيات القرن الماضي من أجل التعامل مع المعلومات الغير دقيقة والغير محددة. وسأحاول، قصد التبسيط، استخدام مقارنة أجوبة الرئيس في المنطقين.
---------------------
1- بلد غني ومواطنون فقراء: اعترف الرئيس بالثروة الكبيرة التي يمتلكها الشعب الموريتاني وتذبذب وبدا مرتبكا في حركاته وفي نبرة صوته وهو يواجه الفقر وارتفاع الأسعار وانعدام الأمن والواقفين على قارعة الطريق.
في المنطق التقليدي بلد غني بثرواته الطبيعية و المتنوعة لايمكن الا ان ينعم مواطنوه بالرخاء ويستحيل منطقا ان يكون جل مواطنيه تحت خط الفقر المدقع الا اذا كان هناك خللا ما في تسيير تلك الثروات مثل الفساد والمحسوبية والزبونية. وبما ان الشعب جله فقير كنا ننتظر الإجراءات التى اتخذها او سيتخذها الرئيس المنتخب منذ سنتين للتخفيف من وطاة الفقر والتهميش وللتقسيم العادل لثروة البلاد بين أبناءه ونحن ابناء الفقراء نعرف الجواب ولكن الرئيس استحى وهو يتكلم على قناة دولية من استخدام المنطق التقليدي ولجأ إلى المنطق الضبابي...
في المنطق الضبابي يجيب الرئيس، الذي لايحب ولا يتمنى ان يطالب المواطن الفقير بحقه من ثروات بلده، انه يجب على الفقراء ان يكونوا اكثر واقعية وانه كما اسلف في مقابلة سابقة يحتاج إلى تدوير 80% ممن نهبوا هذه الثروة على مر العقود وانه كالعادة هناك تازر او المفوضية الجديدة تقوم بعمل رائع وهو تقسيم المساعدات عليهم وهذا يكفي وهذه هي الواقعية. اما الفساد فهو موجود ولكن بنسبة معينة لم يحددها. لم يترك الرئيس أحدا على قارعة الطريق وجل المواطنين على قارعة الطريق لأنهم فقراء وقد فقدوا الأمل منذ امد بعيد بحسب تعريفه.
والحقيقة انه لم يكن صارما في محاربة الفساد ولاحاسما في مواجهة المفسدين ولم يتكلم عن الإقلاع الاقتصادي الذي وعدنا به ولا إلى أين وصل ولا عن انجاز واحد يحسب له في هذا المجال ولا حتى عن ماذا سيفعل في المستقبل في ظل تزايد الأسعار وتفاقم ازمة كورونا.
----------------------------
2- الحريات محمية وحق النقد مصان :
- في المنطق التقليدي هذا يعني ان قانون الرموز قد أسقط وانتهى وان معارضي النظام لايمكن مضايقتهم ولا سجنهم ولا حرمانهم من الاعلام الرسمي ولامتابعتهم.
- وفي المنطق الضبابي لم يدافع الرئيس عن القانون ولم يعارضه وتعهد بعدم المساس بالحريات كتعهده في خطابه الاخير في مدينة روصو.
والحقيقة ان الرئيس السابق يوجد الان في السجن فقط لانه عارض ورفض الانصياع للمرجعية وان المعارضين الحقيقين للنظام يتعرضون يوميا لشتى انواع التنكيل والمضايقات والمتابعات القضائية وان الاعلام الرسمي مسدود أمامهم وحتى الاعلام الحر. وتم سجن عشرات المدونين فقط لأن مواقفهم لاتعجب الحكام. لم يعطي الرئيس الأوامر لوزراءه ومعاونيه بفتح وسائل الإعلام الممولة من مال الشعب امام كافة الأحزاب السياسية وبعدم تهديد الصحافة الحرة.
‐--------------------
3- رئيس سابق مسجون سجنا سياسيا ورئيس الجمهورية ليس معني بملفه.
-
- بالمنطق التقليدي الشعب يجب عليه ان يحترم الرئيس والرئيس ايضا يجب عليه أن يحترم الشعب.
- في المنطق الضبابي الرئيس يقول مايشاء كيف ما يشاء. يقول مثلا، ان لاعلاقة له بملف الرئيس السابق وبالتالي لاعلاقة له بالدستور ولا بالاغلبية التي انشات وصادقت على اللجنة البرلمانية ولا بمحاربة الفساد ولابسيادة القانون ولابتراجع الحريات.
والحقيقة ان هذا الشعب المنهك اظهر بعد هذه المقابلة الكثير من الغضب والاستياء وفقدان الأمل. الشعب يريد العمل بصدق والحكم بعدل. الرئيس السابق بعد كل الإهانة التي تعرض لها، وبالتالي تعرضنا لها جميعا كشعب وكأمة، يقبع الآن في السجن دون أن تتم محاكمته في التهم الموجة اليه فقط لأن ذلك يروق للبعض.
اننا ومهما كان حجم اختلافنا نتفق جميعا على ان العدل هو أساس الحكم وهو أساس الاستقرار والنماء، من دونه لايمكن أن نبني وطنا ولايمكن ان يكون لنا شان في هذا العالم.
لقد أصبحنا بين عشية وضحاها مضرِب مثل في النكوص عن القيم والمبادئ الإنسانية الجامعة. اننا نعلم أبناءنا ان النجاح يتطلب التخلي عن المبادئ وعن الأخلاق ونعلمهم ان الغش يبني الذات والأوطان، اننا نهدم إراديا وبأيدينا وطننا وامتنا بشكل بشع وفاضح حد السذاجة.
العدالة لاتتجزأ، ظلم الرئيس السابق كظلم المواطن الفقير والمسؤولية تقع على هذه الطبقة الفاسدة التي تتلون وتهدم الأخلاق وتحتقر نفسها من حيث لا تدري.