بنشاب : ترقّب وتخوّف ونقاش محتدم. كان ذلك حال المواطن الموريتاني حين بدأ وباء كوفيد 19 يجتاح العالم، وزادت حدة النقاش والهواجس عندما اقترب من البلاد، حيث بدأت حالات منه في الظهور في السنغال وفي الجزائر ودول جوار أخرى، سواء المغاربية منها أو الإفريقية الغربية. وكان السؤال الأبرز ماذا سيحل بنا؟
الصدمة الأولى و"التطبيع" مع الفيروس
في 13 آذار/ مارس، أعلنت وزارة الصحة الموريتانية عن ظهور أول إصابة بكورونا في موريتانيا، وهذا ما سبب حالة من الذعر. وكان المصاب مواطناً أسترالياً، يعمل في إحدى شركات التعدين الاجنبية وهو قدم إلى موريتانيا من النمسا.
بدأت بعد ذلك إجراءات احترازية: حجز القادمين من دول انتشار الوباء كفرنسا وإسبانيا، وتوقيف رحلات الطيران إلى موريتانيا، وإغلاق الحدود البرية أمام الأفراد، وتركها بما يتعلق بحركة البضائع.. إلى أن تمّ حظر جزئي للتجول، بدأ أولاً من الثامنة مساءً، وتطور إلى أن أصبحت بدايته السادسة مساءً، وينتهي السادسة صباحاً. وكذلك، توقفت الدراسة بشكل كامل وعُلّقت صلاة الجمعة.
ومع الزيادة في عدد الإصابات، فُرض عزل بين محافظات الدولة، حيث أصبح ممنوعاً التنقل بينها مع استثناء ما يتعلق بالبضائع والطواقم الطبية. وكذلك، أغلقت الأسواق عدا تلك التي تبيع المواد الغذائية، وبعض اللوازم الضرورية لحياة الإنسان.
وصل عدد الإصابات إلى سبع حالات، اثنتين منها لأجانب والبقية لموريتانيين، وكلهم قدموا حاملين الفيروس من الخارج، إلا واحدة تسبب بها لسيدة زوجُها القادم من فرنسا، وواحدة أخرى لم تُكتشف إلا بعد وفاة السيدة الموريتانية.
اعترف وزير الصحة الموريتاني بضعف المنظومة الصحية، وذلك في مقابلة تلفزيونية على القناة الرسمية لموريتانيا: "ليس لدينا سوى أن نتجنبه".
الفقراء كضحايا للحظر
الإجراءات التي قامت بها الحكومة الموريتانية، خلقت بدورها الكثير من الجدل، بسبب الضرر الذي لحق بحياة الناس، والفقراء منهم خاصة، وهم الشريحة الأكثر انتشاراً في الدولة. فالحظر والإغلاق تسببا بفقدان الكثير من المواطنين، لمصادر رزقهم، وهم لا مدخرات لديهم تمكّنهم من العيش عليها في ظل الأزمة، وطرحت تساؤلات من قبيل هل المرحلة تحتّم الإغلاق؟ وهل يمكن أن يتم الحظر والإغلاق دون دعم من الدولة للفقراء، عبر مساعدتهم بالمال والغذاء.
وقد أُعلن عن مبادرات لمساعدة الفقراء، وتصدرت بائعات الكسكس اهتمام الناس، لكونهن نساءً معيلات في الغالب، وعملهن يتضرر بشكل أكبر لأنهن يعلمن في الليل.
تحدث الرئيس ، عن سلسلة من الإجراءات لمساعدة الفقراء في الأزمة.. وأعلن عن صندوق خاص للتضامن الاجتماعي ومكافحة فيروس كورونا، هدفه تعبئة كافة الموارد المتاحة. وأشار إلى أن الصندوق مفتوح أمام كل من يرغب بالمساهمة فيه، من فاعلين اقتصاديين وطنيين وشركاء دوليين.
ووعد بتخصيص 5 مليارات أوقية قديمة لدعم 30 ألف أسرة من الأسر المعالة من طرف النساء، والعجزة وذوي الإعاقة، أغلبها في نواكشوط بإعانة مالية شهرية طيلة ثلاثة أشهر.. وتحمل الدولة لكافة الضرائب والرسوم الجمركية على القمح والزيوت والحليب المجفف والخضروات والفواكه طيلة ما تبقى من السنة، وهو ما سيساهم في تخفيض سعر هذه المواد الأساسية، وكذلك عن تحمل الدولة لفواتير الماء والكهرباء عن الأسر الفقيرة لمدة شهرين. ووعود أخرى. لكن، ولحد الآن، فإن تلك الوعود لم تترجم في الواقع، فحال الناس لا يزال كما هو. وهناك تخوّفات من أن تعيق التعقيدات البيروقراطية حدوث وفاء عاجل بهذه الوعود، وكذلك من أن تطال يد الفساد تنفيذها. وهناك من اعتبر أن هذه الوعود لا تصل لمستوى التطلع، فهي لا تشمل كل الفقراء، ومن تضرروا من حالة الحظر والإغلاق.
عالقون على حافة الوطن
كما ألقت أزمة كورونا بظلالها على الإنسان الموريتاني المغترِب، فقد تسبب إغلاق موريتانيا لحدودها بحدوث أزمة عالقين موريتانيين على تلك الحدود. منذ أسابيع، وعشرات الموريتانيين يرابطون على الحدود الموريتانية – السنغالية. ولكن الحكومة الموريتانية ترفض السماح لهم بالدخول إلى بلدهم، وهو ما أثار بدوره الكثير من الجدل، خاصة أنها سمحت بأن تدخل طائرة تحمل جثماناً لمواطن موريتاني توفي في الخارج، وكان مع الجثمان مرافقون له، وهو ما اعتبر تمييزاً بين أبناء الوطن. فهؤلاء العالقون على الحدود لم يطلبوا الإجلاء من مكان إقامتهم، ولا تكليف الدولة بمصاريف لا تملكها، بل وصلوا للحدود، وكان على الدولة إدخالهم وحجزهم.
وقد انطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي حملة تضامنية مع العالقين،ووجه الناشط والمدوّن الشيخ مزيد رسالة إلى رأس الدولة يطالب فيها بحل مشكلتهم، و قال : "يقال أن القيصر الروسي عندما قرأ "ذكريات من منزل الأموات" لدوستويفسكي الذي كان سجيناً، تأثر كثيراً وبكى، وألغى حكم الإعدام. ولا أعرف ماذا ستفعلون عندما تستمعون للنداء الأخير للطالبة، وتتفرجون على الصور القادمة من معبر روصو، حيث ولدت فجأة هذه الأزمة الغريبة".
لا تزال موريتانيا في بدايات أزمة الوباء مقارنة ببعض دول جوارها، فالمرض لم ينتشر بعد، لكن التساؤل قائم حول إمكانيات الدولة في ضبط إجراءاتها الاحترازية، وزيادتها في حالة خروج المرض عن السيطرة.
السفير العربي