بنشاب : تعتبر موريتانيا دولة رعوية، نتيجة للكمية الكبيرة لعدد رؤوس المواشي فيها، حيث تبلغ 24مليون رأس ،كما يستوعب هذا القطاع حوالي 140 ألف عامل بشكل متساوي أو يفوق عدد الوظائف التي توفر الدولة ، وتعتمد عدة ولايات على نسبة كبيرة من دخلها الأساسي على الثروة الحيوانية، ويعيش عليها عدد هائل من الأسر في الوطن لا تعرف الدولة ولا خدماتها العمومية، ولا يحصل على أي دخل ولا راتب منها ، ومع أن فشل الدولة الوطنية يتحقق يوما بعد يوم إزاء الإهتمام بهذه الثروة من حيث عدم رسم سياسة ثابتة تعتمد خططا وبرامج تعمل على حمايتها وتثمينها، وتفتح فرصا كبيرة للإستثمار في هذا القطاع وترقية دمجه ومشاركته في الإقتصاد الوطني فإن المواطن لا يملك أي جهد سوى الترحال بين المناطق والدول بحثا عن المرعى بالإعتماد على وسائله الذاتية الضعيفة والتقليدية .
وضعية القطاع :
يواجه البلد منذ 1969 جفافا دائما من كل سنة أو سنتين مما جعل 70% من هذه الثروة يذهب في رحلة سنوية لمدة 8إلى 9 أشهر ، وفي بعض الحالات يمضي السنة تلو السنة خارج أرض الوطن في البلدان المجاورة ،مما يضطر الدولة للتنازل عن بعض ثروتها للدول الأخرى (مثل إتفاق الصيد الميسر مع السينغال مقابل الحصول على المراعي للماشية وهو اتفاق ضمني لتبادل المصالح ) ،في حين تملك الدولة موارد مائية كبيرة وأراضي شاسعة صالحة للزراعة ، مما يمكنها من صناعة العلف وإنشاء محميات وتطويروالخفاظ على الغابات والمناطق الرعوية ،وعكسا لكل إهتمام وفاعلية تلتهم الحرائق قيمة 600مليار أوقية سنويا من العلف من المراعي ،كما تجف البحيرات المائية دون إستخدامها في أي إنتاج ولا نشاط زراعي ولا رعوي ، ينضاف إلى ذلك أن موريتانيا تستورد كل حاجاتها من الحليب ومشتقاته من خارج حدودها ،حتى المشتقات البسيطة التي لاتتطلب تكاليف باهظة يتم إستيرادها من الخارج .
المخاطر الكبيرة
وهكذا مع تراكم هذه الوضعية أصبحت التنمية الحيوانية معرضة للإنهيار وصارت التننية الحيوانية التي لاتزال تقليدية لأبعد الحدود تواجه رهانات بنيوية لا حصر لها ،وفي مقدمتها ثلاث مشاكل عميقة ستكون إذا ما تراكمت سببا في انهيار هذا القطاع ألا وهي : - تقارب سنوات الجفاف التي تسببت في القضاء على الغلاف النباتي للأرض خاصة الأشجار ،في حين لاتوجد سياسية لمواجهته بصفة جدية :إما من خلال الحفاظ على الموجود ومحاولة تطويره وخلق مراعي جديدة ، وتوسيع الرقع الصالحة للرعي، أو بواسطة زراعة مساحات كبيرة بالأشجار الصحراوية والنباتات القادرة على مقاومة المناخ الصحراوي ،وتبني سياسية وطنية ثابتة لتوفير العلف ، وخلق نقاط مياه في المناطق الرعوية التي يهجرها الحيوان بسبب ندرة المياه مثل منطقة تيرس وآوكار ،وإظهر ،وبعيدا من ، وعكسا لكل ذلك تكتفي الدولة بالتدخل في الأوقات الحرجة وفي وقت متأخر وعلى نحو غير جوهري وبعد أن تصل القلوب الحناجر ،لتوفير بعض الأصناف من العلف التي لا يمكنها أن توفر الحماية الحقيقية والدائمة لهذه الثروة التي يفنى منها ميئات الآلاف أمام كل سنة جفاف .
المشكل الثاني :ارتفاع سعر العلف خاصة في الأشهر قبل تدخل الدولة الذي يأتي متأخرا وتسبقه مضاربات في سعر العلف مما يضطر المنمين للنزوح والهجرة او بيع مواشيهم بأسعار زهيدة ،وهكذا أصبحت الثقة في هذا القطاع تتلاشى وصارت الكميات التي تباع منها خارج الوطن مهددة لها .
المشكل الثالث : عزوف اليد العاملة عن هذا القطاع بسبب ضعف الدخل والمشقة ، مع إكتشاف موارد أخرى أو فرص مثل كذبة الذهب التي روّج لها نظام ولد عبد العزيز والتي امتصت أغلب اليد العاملة غير الحرفية ،الأمر الذي يضع هذه المورد الوطني الإقتصادي والتجاري والصناعي في مهب الريح مع انعدام حكومة مسؤولة تقيم حجم الخطورة التي يمثلها انهيار هذا المورد .
موقف النظام الجديد
يتطلع الشعب الموريتاني لسياسات جديدة مع هذا النظام تقوم على جلب المصلحة الوطنية والتفكير الجدي في حلول دائمة للمعضلات والمشاكل المزمنة ،وعدم الإتجار بمصالح المواطنين حيث دأب ولد عبد العزيز على فعل ذلك . ويسري هذا التفاؤل مع تبني سياسة المحاسبة والتحقيق في الفساد الذي أعلن عنها النظام وأكدها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في خرجته الإعلامية الماضية،ومع أن المواطن مثل الأحزاب السياسية يمنح فترة سماح لهذا النظام قد يكون التدخل المتأخر هذه السنة ،مغفور ضمنها ، لكنه ينتظر أن يتم الإعلان خلال السنوات القادمة عن خطط وبرامج لتنمية القطاع تمكنه من الصمود في وجه التقلبات المناخية والمشاكل الأخرى .
فهل سيكسب غزواني هذا الرهان، أم سينضم إلى قافلة الأنظمة السابقة ؟
العلم