بنشاب : قبل عقد من الزمن تعود اقريني ولد امينوه أن يشتري الصحف الورقية التي كانت تصدر في موريتانيا، يبحث فيها عن الأخبار والقصص الصحفية والمقالات الجيدة للكتاب الموريتانيين. اليوم يتذكر آخر صحيفة اشتراها، كان ذلك عام 2013، ويستذكر موضوعها الرئيسي. لم تكن الصحيفة سوى جريدة "الأخبار" وكان الموضوع البارز فيها تحقيق عنوانه "الدبلوماسية في موريتانيا.. دبلوماسية بلا دبلوماسيين". ومنذ ذلك العهد، توقف اقريني امينوه، وهو صحفي شاب، عن شراء الصحف الورقية. يقول إن أي مقال مهم بالصحيفة يجده على موقعها الإلكتروني بعد يومين مما يوفر عليه شراءها. ويضيف للجزيرة نت أن بعض صحفه المفضلة توقفت عن الصدور نهائيا. ولم تعد الجرائد المنتظمة تتجاوز العشرة عناوين، وهي تحارب من أجل البقاء وتعاني بين مطرقة انتشار مفزع للمواقع الإلكترونية، وسندان ضعف التمويل والدعم من الدولة. وأمام هذا الواقع، أعلن اتحاد الناشرين إضرابا عن إصدار الصحف التي لا زالت تقاوم للبقاء، احتجاجا على رفع أسعار المطبعة الوطنية والتي تعتبر الوحيدة القادرة على طباعة الصحف بجودة مقبولة، حسب الاتحاد. وفي السياق، يقول رئيس اتحاد الناشرين الصحفي موسى صمبا سي -الذي أسس صحيفة "لو كوتيدين" الناطقة بالفرنسية- إن الإضراب جاء ردة فعل على سوء تسيير مخصصات صندوق دعم الصحافة الذي يفترض بأنه يراد من الرفع من قدرات المؤسسات الصحفية. ويضيف موسى للجزيرة نت أن الصندوق لم يعط للمطبعة الوطنية مخصصاتها من الدعم هذه السنة، مما أثر سلبا على الصحف من حيث رفع تكاليف الطبع. واعتبر أن الإضراب عن النشر يعتبر خطوة من خطوات سيقوم بها اتحاد الناشرين، من بينها الاتصال بالمسؤولين المباشرين عن صندوق دعم الصحافة من أجل الضغط على الصندوق. فساد وتمييع من جهته، يرى محمد أحمد المصطفى رئيس تحرير جريدة الأخبار المستقلة أن السلطات ميعت قطاع الصحافة في البلد، من خلال فتح الأبواب للجميع لإنشاء مواقع إلكترونية. ويؤكد المصطفى أن التمييع والفساد بلغا أشدهما في مجال الصحافة، حيث أعلن صندوق دعم الصحافة عن دعم 111 صحيفة إلكترونية، ويضيف: لا يمكن أن نجد الآن في موريتانيا ما يصل إلى عشر صحف. ويضيف للجزيرة نت "لا يمكن أن يستمر السكوت على تبذير المال العمومي الذي يتصرف فيه صندوق دعم الصحافة، والذي يقسمه على مواقع وصحف ليست موجودة على أرض الواقع". عهد ولى وفي ظل سطوة المواقع الإخبارية الإلكترونية وسهولة الوصول إليها، وكذلك القنوات التلفزيونية والإذاعات، لم يكترث المواطنون في العاصمة بعدم صدور الجرائد اليومية، ولم يشعروا بغيابها. سيدي محمد أحد التجار، وهو ستيني يبيع الثياب عند مفترق طريق "آفركو" -من أشهر الأماكن في قلب العاصمة- قال للجزيرة نت إنه مع تسارع الأخبار والأحداث لم يعد بوسعه أن ينتظر صدور الصحف الورقية. من جانبه، لا يتذكر العشريني عبد الله مسعود -وهو طالب جامعي- آخر مرة اشترى فيها صحيفة ورقية. ويقول إنه من غير الوارد الآن الاهتمام بها، لأن كل الأخبار متوفرة على شاشة الجوال.
المصدر الجزيرة