
استيقظت بنين هذا الصباح على مشهد غير مألوف، بعدما ظهر عدد من العسكريين على شاشة التلفزيون العمومي معلنين عزل الرئيس باتريس تالون وتشكيل ما سموه اللجنة العسكرية لإعادة التأسيس بقيادة المقدم باسكال تيغري.
تزامن الإعلان مع تسجيل إطلاق نار في محيط معسكر غيزو القريب من إقامة الرئيس، ما دفع السفارة الفرنسية في كوتونو إلى دعوة رعاياها للبقاء في منازلهم.
هذا المشهد الأولي فتح الباب أمام حالة من الارتباك، فيما بدأت وحدات من الجيش الموالي للرئيس تتحرك لاستعادة السيطرة على المؤسسات الحيوية.
قائد المحاولة بلا تاريخ سياسي
لم يكن اسم باسكال تيغري متداولاً في المشهد السياسي أو الإعلامي، حيث برز فجأة بصفته قائداً للتحرك العسكري. وبصفته مقدماً في الجيش، ظهر مخاطباً الأمة بخطاب مقتضب تحدث فيه عن تصحيح المسار وسوء الإدارة، من دون تقديم خريطة طريق واضحة أو برنامج سياسي.
يحيط الغموض بخلفيته وشبكة ارتباطاته داخل المؤسسة العسكرية، ما يثير أسئلة حول حجم التأييد الفعلي الذي يحظى به داخل الجيش، وحول ما إذا كان التحرك محاولة محدودة أم بداية لانقسام أعمق.
الإعلام الدولي: انقلاب غير محسوم
تفاعلت وسائل الإعلام الدولية مع تطورات بنين بكثافة وسرعة غير مسبوقة، حيث سارعت منصات كبرى من بينها لوموند، فرانس 24، رويترز، BBC، ووكالة أسوشيتد برس إلى توصيف ما يجري بأنه انقلاب قيد التنفيذ، مستندة إلى الظهور العسكري على شاشة التلفزيون العمومي وحجم القرارات التي أعلنها الضباط.
وركزت هذه الوسائل على التضارب الواضح بين الروايتين العسكرية والرسمية:
• من جهة، يقف العسكريون الذين أعلنوا عزل الرئيس وتشكيل لجنة لإعادة التأسيس.
• ومن جهة أخرى، تتحدث مصادر حكومية وعسكرية موالية للرئيس باتريس تالون عن محاولة محدودة يجري احتواؤها.
وأجمع المراسلون وصحفيو الشأن الإفريقي على أن الصورة الميدانية لا تزال غير محسومة، وأن المشهد في كوتونو يشهد حالة سيولة سياسية وأمنية في ظل غياب تأكيدات قاطعة حول سيطرة أي طرف بصورة نهائية.
كما شددت بعض التقارير على أن ما يجري في بنين يعد أخطر اختبار لاستقرار دول خليج غينيا منذ سنوات، بالنظر إلى موقع البلاد كأحد آخر المعاقل السياسية المستقرة في الجوار المباشر لمنطقة الساحل التي تعصف بها الانقلابات.
لفهم لحظة الانفجار
قبل ساعات الانقلاب، كانت بنين تقدم كنموذج اقتصادي صاعد في غرب إفريقيا، مستفيدة من ازدهار قطاع القطن وحيوية ميناء كوتونو، مع نسب نمو تجاوزت سبعة في المئة خلال 2024–2025.
غير أن هذا الازدهار أخفى هشاشة متزايدة في الشمال حيث تمددت الجماعات المسلحة من بوركينا فاسو والنيجر، ما دفع الحكومة إلى تعزيز الإنفاق الأمني.
سياسياً، واجه حكم الرئيس تالون انتقادات واسعة بسبب تراجع المسار الديمقراطي وتضييق المشاركة السياسية، وهي عوامل رافقها توتر متصاعد بين النخبة العسكرية والمدنية.
هذه الخلفية تفسر كيف أصبحت بنين، لأول مرة منذ عقود، عرضة لهزة عسكرية بهذا الحجم.
توازنات النفوذ في بنين
يأتي الحدث في ظرف حساس تشهد فيه المنطقة التي تقع فيها بنين سلسلة من الانقلابات تمتد من مالي إلى بوركينا فاسو والنيجر، ما جعل بنين إحدى آخر الدول التي حافظت على استقرار مؤسسي نسبي.
وتكتسب بنين أهمية استراتيجية لصالح أطراف متعددة: فرنسا باعتبارها شريكاً أمنياً واقتصادياً تقليدياً، الولايات المتحدة في إطار جهودها لتأمين خليج غينيا، والصين التي تنخرط بقوة في مشاريع الموانئ والبنى التحتية، إضافة إلى نيجيريا التي تعتمد في تجارتها وأسواقها على بوابة كوتونو.
التطور الحالي يختبر قدرة هذه القوى على منع زعزعة دولة محورية في الأمن البحري الإقليمي، ويثير أسئلة حول مستقبل الإيكواس وحدود قدرتها على التعامل مع موجة الانقلابات المتجددة.
ختاماً..
تعيش بنين لحظة حرجة تجمع بين الغموض السياسي والتوتر العسكري والرهانات الإقليمية المتشابكة. وبينما تتضارب الروايات حول نجاح الانقلاب أو احتوائه، والراجح أنه فاشل نظرا لعدم قدرة الضباط الشباب في إقناع بعض القادة العسكريين الممسكين بالوحدات العسكرية على المشاركة في الانقلاب، والراجح أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت البلاد تتجه نحو استمرار النظام القائم، أو نحو انتقال عسكري جديد يضيف بنين إلى سلسلة الانقلابات في غرب إفريقيا، أو نحو تسوية داخلية قد تفتح أبواب مرحلة سياسية مختلفة.
وكالات
