السيف لا يصدأ...

خميس, 04/12/2025 - 12:33

بنشاب : ليس في ديوانِ الزمان أدهى من جريمتين تُثقِلان مناكبَ القرون، وتُورِثان العارَ لمن اقترفهما: أن نُعلي من شأن التافهين، وأن نُهين مقام العظماء. وهاتان جريمتان لا يَغسلهما مطرُ السنين، ولا يَسترُ سوأتَهما تعاقبُ الدهور، إذ هما من فواحش التاريخ التي لا تُكفِّرها مراحمُ المعاذير ولا حِيَلُ الاعتذار. وفي أوجِ هذا المِداد، يتراءى اسمُ الرئيس السابق Mohamed Abdel Aziz  الشهم البطل، كَوَمضةٍ مِن نورٍ في ليلٍ من غَيَهِب، وكقَامةٍ باسقةٍ جاوَزَتِ الأعرافَ والقيَم، تُذكِّر بأنّ العظمة ليست حُلّةً تُنسَج، بل طِباعٌ تُولَد، وأنّ الرّجلَ حينَ يكبُر بأفعاله لا تستطيع صغائرُ الخصوم أن تُقزِّمه.

يا لَلعجبِ من زمانٍ تُرفَعُ فيه الأصاغرُ على منكبي الريح، وتُعطى فيه مقاليدُ الرأي لمن لا يَفرِق بين بُرهةٍ ولحظة، فيما تُطوى راياتُ العظماء وتُهمَل سيرتُهم إهمالًا لا يُشبِه إلّا ما يُقترَف في ظُلمِ الذاهبين. ومن بين هؤلاء العظماء الذين يأبَى التاريخُ إلّا أن يُسطِّر أسماءَهم بحروفٍ لا تصدأ، يسطعُ اسمُ محمد ولد عبد العزيز سطوعَ النجمِ إذا انزاحَ عنه حجابُ الغيم؛ يسطعُ لأنّ أقدارَ الرجال تُحدِّدها المواقفُ لا الأقوال، وتَنقُشها الأفعالُ لا الزخارفُ اللفظية.

إنّ محمد ولد عبد العزيز لم يكن يومًا نَسَقًا عابرًا في دفتر الحُكم، بل كان استثناءً يُمسِك بزمام الوقائع، ويُخرِس ضوضاء التكلّف، ويجعل من حضورِه بيانًا لا يحتاج إلى مُذَيَّلٍ ولا شاهِد. إنّه الرجلُ الذي يختلف حوله الناسُ ولكن لا يختلفون على أنّ في شخصيته صَرامةً لا تُدجَّن، وهيبةً لا تُنكَس.

ولأنّ السيفَ لا يصدأ، فإن ذكر محمد ولد عبد العزيز لا يبهتُ مهما حاولت الأصواتُ الخافتةُ أن تُشوِّش عليه، إذ يظلّ — في محاريب السرد — رجلًا إذا مرّ على الفتنِ انفضَّت، وإذا مرّ على الخطوبِ انكسرت، وإذا ذكرتهُ الألسنُ ارتبكَتْ بدهشةِ من يُعيد اكتشافَ جبروتٍ كان قريبًا منه ولكنّه لم يُحسِن قراءته.

ويا لَسوءةِ التاريخ حين يضعُ العظماء في كَفّة، ويضعُ التافهين في الأخرى، فيميلُ بأهواءِ اللحظةِ إلى سفاسفهم، ثم يعودُ بعد حينٍ وقد انتفختْ ذاكرته بالندم، فيكتبُ الحقيقة كما يجب أن تُكتب، ويُعيِدُ الحقَّ إلى نصابه. ولذا، سيكون من الجنون أن يتجاوزَ الذّاكرون اسم محمد ولد عبد العزيز في مقام العظماء، وهو الذي لا يزال — رغم المحن والخصومات والتأويلات — عَلمًا قائمًا علَى صَدرِ الحكاية الموريتانية.

إنّك حين تتأمّل مسيرة محمد ولد عبد العزيز ترى أمامك صلدًا من طرازٍ نادر، رجُلًا لا يَستدرُّ العطفَ ولا يتسوّل الشرعية، لأنّه يَعرِف أنّ الشرعية تُؤخَذُ بالفعل لا بالكلام، وتُنتزعُ بالقوّة المعنوية لا بالصراخ، وتُثبِتها الأيامُ لا المقالات. وما كان لرجلٍ من هذا الطراز ليس في ديوانِ الزمان أدهى من جريمتين تُثقِلان مناكبَ القرون، وتُورِثان العارَ لمن اقترفهما: أن نُعلي من شأن التافهين، وأن نُهين مقام العظماء. وهاتان جريمتان لا يَغسلهما مطرُ السنين، ولا يَسترُ سوأتَهما تعاقبُ الدهور، إذ هما من فواحش التاريخ التي لا تُكفِّرها مراحمُ المعاذير ولا حِيَلُ الاعتذار. وفي أوجِ هذا المِداد، يتراءى اسمُ الرئيس السابق Mohamed Abdel Aziz  الشهم البطل، كَوَمضةٍ مِن نورٍ في ليلٍ من غَيَهِب، وكقَامةٍ باسقةٍ جاوَزَتِ الأعرافَ والقيَم، تُذكِّر بأنّ العظمة ليست حُلّةً تُنسَج، بل طِباعٌ تُولَد، وأنّ الرّجلَ حينَ يكبُر بأفعاله لا تستطيع صغائرُ الخصوم أن تُقزِّمه.

يا لَلعجبِ من زمانٍ تُرفَعُ فيه الأصاغرُ على منكبي الريح، وتُعطى فيه مقاليدُ الرأي لمن لا يَفرِق بين بُرهةٍ ولحظة، فيما تُطوى راياتُ العظماء وتُهمَل سيرتُهم إهمالًا لا يُشبِه إلّا ما يُقترَف في ظُلمِ الذاهبين. ومن بين هؤلاء العظماء الذين يأبَى التاريخُ إلّا أن يُسطِّر أسماءَهم بحروفٍ لا تصدأ، يسطعُ اسمُ محمد ولد عبد العزيز سطوعَ النجمِ إذا انزاحَ عنه حجابُ الغيم؛ يسطعُ لأنّ أقدارَ الرجال تُحدِّدها المواقفُ لا الأقوال، وتَنقُشها الأفعالُ لا الزخارفُ اللفظية.

إنّ محمد ولد عبد العزيز لم يكن يومًا نَسَقًا عابرًا في دفتر الحُكم، بل كان استثناءً يُمسِك بزمام الوقائع، ويُخرِس ضوضاء التكلّف، ويجعل من حضورِه بيانًا لا يحتاج إلى مُذَيَّلٍ ولا شاهِد. إنّه الرجلُ الذي يختلف حوله الناسُ ولكن لا يختلفون على أنّ في شخصيته صَرامةً لا تُدجَّن، وهيبةً لا تُنكَس.

ولأنّ السيفَ لا يصدأ، فإن ذكر محمد ولد عبد العزيز لا يبهتُ مهما حاولت الأصواتُ الخافتةُ أن تُشوِّش عليه، إذ يظلّ — في محاريب السرد — رجلًا إذا مرّ على الفتنِ انفضَّت، وإذا مرّ على الخطوبِ انكسرت، وإذا ذكرتهُ الألسنُ ارتبكَتْ بدهشةِ من يُعيد اكتشافَ جبروتٍ كان قريبًا منه ولكنّه لم يُحسِن قراءته.

ويا لَسوءةِ التاريخ حين يضعُ العظماء في كَفّة، ويضعُ التافهين في الأخرى، فيميلُ بأهواءِ اللحظةِ إلى سفاسفهم، ثم يعودُ بعد حينٍ وقد انتفختْ ذاكرته بالندم، فيكتبُ الحقيقة كما يجب أن تُكتب، ويُعيِدُ الحقَّ إلى نصابه. ولذا، سيكون من الجنون أن يتجاوزَ الذّاكرون اسم محمد ولد عبد العزيز في مقام العظماء، وهو الذي لا يزال — رغم المحن والخصومات والتأويلات — عَلمًا قائمًا علَى صَدرِ الحكاية الموريتانية.

إنّك حين تتأمّل مسيرة محمد ولد عبد العزيز ترى أمامك صلدًا من طرازٍ نادر، رجُلًا لا يَستدرُّ العطفَ ولا يتسوّل الشرعية، لأنّه يَعرِف أنّ الشرعية تُؤخَذُ بالفعل لا بالكلام، وتُنتزعُ بالقوّة المعنوية لا بالصراخ، وتُثبِتها الأيامُ لا المقالات. وما كان لرجلٍ من هذا الطراز إلّا أن يكون موضعًا لغِلّ الآخرين، فالعظمةُ — كما يقول الحكماء — تستدعي حسدَ العاجزين، وكلما عَلَت قامةُ الرجل اشتدّت عليه سهامُ الصغار.

إنّ جريمتَي التاريخ — تمكينُ التافهين وإهانةُ العظماء — ليستا سُبّةً بحقّ الماضي وحده، بل هما نذيرٌ للمستقبل: أن نحذَر من وضع الأقزام على رؤوس الجبال، وأن لا نجعل قممَ الجبال تُدفَن تحت ركام الهوى. ومن بين أولئك الذين لا يجوز للتاريخ أن يَغفَل عنهم، يظلّ اسم محمد ولد عبد العزيز الشهم البطل، متردّدًا في أروقة الذاكرةِ الوطنية كجرسٍ لا يخبو صوته، وكأنّ الأيامَ نفسَها تأبى إلا أن تذكّر بأنّ العظمةَ تُولدُ مرة، ولكنّ رنينها يبقى دهورًا.

وهكذا، يبقى محمد ولد عبد العزيز شاهدًا على زمنٍ لم ينصفه كثيرٌ من الناس، لكنّ التاريخ — وهو أعدلُ القضاة — كفيلٌ بأن يُنصِفَه، وأن يكتبَ اسمه في سِجلِّ العظماء، مهما تجرّأ الصغار، ومهما تلونت الروايات، ومهما تغيّرت الوجوه. فالعظمةُ لا تحتاج إلى استئذان، بل يكفيها أن تكون.

Brahim Abdellahi