سطوعُ البناء… وظلالُ المفارقة...

خميس, 20/11/2025 - 20:06

بنشاب : تمضي الأمم في مساراتها بين تعثّرٍ ونهوض، ولا ينهض بها إلا رجالٌ يوقنون أنّ العمل أبلغ من الخطب، وأنّ الأوطان تُكتب على الأرض قبل أن تُكتب في الأوراق. وفي هذا السياق ظهر محمد ولد عبد العزيز قائدًا يقدّم الفعل على القول، ويُشيّد ما يجعل الحاضر أكثر رسوخًا والمستقبل أكثر اتساعًا.

دخل محمد ولد عبد العزيز ساحة الحكم وموريتانيا بلا مطارٍ يحمل بصمةً عالمية، ولا طائرةٍ ترفع اسمها في أجواء المنطقة. كانت البلاد تقف على عتبة احتياجٍ واضح، فجاء المشروع الوطني ليملأ هذا الفراغ.

فأسّس شركةً وطنية بتمويل محلي خالص، حتى أصبح أسطولها عند نهاية عهده ثلاث عشرة طائرة تجوب الأجواء وتربط الوطن بخطوطٍ دولية منتظمة، كأنها رسائل طيران تُعلن حضور الدولة في السماء كما تحضر على الأرض.

ثم افتُتح مطارٌ يستوفي ما تُظهره مطارات العالم من اتساعٍ ونظامٍ وهيبة، بوابةً جديدة تعكس وجه موريتانيا وهي تعيد ترتيب موقعها على خارطة السفر والتنقّل والانفتاح.

والمفارقة التي يشهدها الرائي أنّ الرجل الذي حمل هذه المشاريع إلى النور يقف اليوم في مشهدٍ متوتر، تُحيط به اتهاماتٌ تختلف الروايات حولها. وليس من مهمّة الصرد أن يُصادق على رواية أو يُكذّب أخرى، بل أن يُشير إلى غرابة المشهد الذي يجمع بين سطوع الإنجاز وظلال الاتهام، بين ما يشهده الواقع من آثارٍ باقية، وما يشهده السجال من تضاربٍ لا ينتهي.

تبقى سيرة محمد ولد عبد العزيز معلّقة بين أعمدةٍ ثابتة من العمل الملموس، وبين سجالاتٍ يختلف فيها القائلون. غير أنّ ما يُشيَّد على الأرض يظلّ أوضح من العابر، وما ترسمه الطائرات والمطارات والنُّظم الجديدة يبقى شاهدًا على مرحلةٍ لا تمحوها الأحداث اللاحقة مهما ازدحمت. وفي نهاية المطاف، وحده التاريخ يملك قدرة الفصل بين ضوء الإنجاز وعتمة الجدل، ووحده يدرك كيف يُنصف من حمل وطنه إلى أفقٍ أعلى ثم وجد نفسه في قلب المفارقة.